لماذا لا يمكن ان تفوز اسرائيل بالحرب؟

  • 11/19/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اختزال أسباب حرب غرة في أحداث السابع من اكتوبر قراءة تتسم بتسطيح الأمور، ذلك ان احداث طوفان الاقصى هي بالأساس جاءت نتيجة لتراكمات تاريخية وسياسية واقتصادية، تعود إلى سنوات طويلة من الانتهاكات الصهيونية والمعاناة الانسانية الفلسطينية. لكن مع ذلك فان قبضة الغضب يوم الطوفان كانت لها عدة انجازات غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني، اولها انه اثبتت بما لا يدع للشك وهم فكرة "الشراكة الاقليمية" مع الكيان الصهيوني، والتي سعى الغرب لترويجها في العالم العربي والاسلامي، وثبت خلال حرب غزة الاخيرة انه كيان فوضوي-عبثي لا يفقه المبادئ الانسانية، ولا يفهم قواعد القانون الدولي عند الحروب، ومن أبرزها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. بمعنى اخر اثبتت احداث حرب غزة ان الكيان الصهيوني لا يمكن ان بكون دولة بالمفهوم القانوني، وانما هو تشكيل عصابي امتهن السطو على ممتلكات الغير دون وجه حق، منتهكا كل المواثيق والأعراف الدولية. وبناء عليه فان الدعوة الى حل الدولتين اصبحت دعوة ساقطة تماما، اذ لا توجد اساسا دولة اخرى مقابل الدولة الفلسطينية يمكن التفاوض معها، وان ما يقال عن حل الدولتين ليس الا الغاما كامنة. اما بالنسبة لمفاوضات اطلاق الاسرى والمعتقلين ووقف الاعتداءات، والتي يتم الترتيب لها، فهي تقوم بين الدولة الفلسطينية من جهة، ومنظومة دولية ترعى التشكيل الاجرامي المسمى بإسرائيل، وهذا النفي لا يتم بناء على موقف عقائدي او قومي فقط وانما ايضا اعتمادا على معطيات سياسية ابرزها قناعة قادة اسرائيل بانهم تشكيل عصابي وليسوا دولة، ويتبين ذلك من تجاوزهم لكل القوانين والاعراف الدولية، فكيف يمكن اعتبارهم دولة؟ حقق طوفان الاقصى ايضا انتصارا مهما في تجريد الصهاينة من مبرر الوجود في المنطقة واسقاط نظرية "الامن المستدام". فخلال السنوات الاخيرة حاول الكيان بمساعدة الدول الغربية ان يقنع المحيط الاقليمي بأن الاعتراف بإسرائيل ضرورة لتحقيق امن واستقرار دائم في المنطقة، وبادرت بعض دول المنطقة لعقد اتفاقات وصلت حد التطبيع مع الكيان الغاصب. لكن كشفت تداعيات طوفان الاقصى ان بقاء الكيان في المنطقة هو من اهم اسباب عدم استقرار، وانه نظام فاشي اجرامي لا يمكن ان يتحقق الاستقرار في حال وجوده على قيد الحياة، وانه لا حل ولا امن الا باقتلاع هذا الكيان الغاصب من المنطقة حتى ولو بأغلى الاثمان، وخلال فترة لا تتجاوز الستين يوما هدمت المقاومة مشروع التوسع على رأس الصهاينة باحترافية كبيرة. وما لا يفهمه الصهاينة ولن يفهموه، ان استمرار وتزايد الانتهاكات لا يردع الشعب الفلسطيني عن المقاومة، بل يزيده صلابة، ويولد المزيد من اساليب القتال المتطورة. بل يمكن لتقسيم غزة وهو المشروع العسكري الذي تعمل اسرائيل على تحقيقه الان، ان يساهم في نشوء منطقة رخوة ينتشر فيها التطرف مما سيكون له ارتدادات كارثية على الكيان الصهيوني والدول المجاورة. يعني ذلك ان بقاء سيطرة حماس على قطاع غزة هو انتصار واضح وصريح على اسرائيل، واعلان فشل الاخيرة في تحقيق ابسط اهداف الحرب المعلنة. ومن جهة اخرى فان انهاء وجود حماس في غزة ستكون له اثار وخيمة، فحماس ليست حركة مقاومة فقط، وانما هي ايضا ادارة سياسية واجتماعية منذ العام 2006، ولها ارتباط وامتداد اجتماعي واسع مع شرائح ستظل تعبر عن غضبها بأساليب قد تكون اكثر عنفا. وفي ذات السياق فان الجرائم الوحشية لا تقنع المحيط العربي بأهمية السلام، وانما يؤلب الشعوب العربية، بل وشعوب العالم التي هالتها همجية السلوك الإسرائيلي ضده، وهو ما يزيد من ضغط الشارع العربي والاسلامي على حكوماتها ضد التطبيع، ويدعم فكرة ان اسرائيل ماهي الا كيان لقيط لا يمكن اعادة تأهيله للعيش الامن في المنطقة، وهو ما يبقيه تحت هاجس الرفض والمقاومة المستمرين.

مشاركة :