أين المثقفون العرب في مواجهة العدوان؟

  • 11/23/2023
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أين‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬المثقفين‭ ‬والكُتّاب‭ ‬والفنانين‭ ‬والمفكّرين‭ ‬العرب،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة،‭ ‬الإبادة،‭ ‬المحرقة،‭ ‬المذبحة‭ ‬الدموية؟‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬الغربي‭ ‬الصهيوني‭ ‬لم‭ ‬يُبقِ‭ ‬أيّ‭ ‬مساحة‭ ‬للتعاطي‭ ‬معه،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬مَن‭ ‬يقف‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الساحقة‭ ‬الماحقة؟‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭.‬ لقد‭ ‬تصدّع‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬العربي،‭ ‬إذ‭ ‬أعتبر‭ ‬الكثيرون‭ ‬أنهم‭ ‬‮«‬مستقلّون‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة،‭ ‬عضوية،‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الأحداث‭ ‬المهولة‭ ‬الجارية‭! ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المثقف،‭ ‬بقصد‭ ‬أو‭ ‬بغير‭ ‬قصد،‭ ‬مُسخّراً‭ ‬ومأجوراً‭ ‬للمؤسسة‭ ‬الرسمية،‭ ‬ويؤدّي‭ ‬دوراً‭ ‬تجميليًّا‭ ‬لها‭! ‬ويترك‭ ‬فراغا‭ ‬جارحا‭.‬ والغريب،‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬‮«‬مهما‮»‬‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬يتماهى‭ ‬ويتبنّى‭ ‬ويقترب،‭ ‬حتى‭ ‬التوحّد،‭ ‬مع‭ ‬مقولات‭ ‬الغرب‭ ‬الاستشراقية‭ ‬والكاذبة‭ ‬والظالمة،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬فُتات‭.. ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬المثقف‭ ‬فارغاً،‭ ‬تماماً،‭ ‬من‭ ‬مضمونه،‭ ‬ومغترباً‭ ‬عن‭ ‬جذوره‭. ‬وقد‭ ‬ظنّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬اعتراف‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬المهيمنة‭ ‬بهم،‭ ‬سيحقق‭ ‬لهم‭ ‬الحضور‭! ‬لكنّهم‭ ‬يتناسون‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المثقف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ضمير‭ ‬شعبه،‭ ‬والمعبّر‭ ‬عن‭ ‬تطلعات‭ ‬وأحلام‭ ‬أُمّته،‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬مستقلّا‭ ‬أمام‭ ‬المجزرة،‭ ‬وليس‭ ‬لديه‭ ‬بذخ‭ ‬الحياد،‭ ‬وسيفقد‭ ‬قيمته‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬وسيسأله‭ ‬التاريخ‭. ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬لنا‭ ‬بوعْيه‭ ‬المعرفي‭ ‬وبمعانيه‭ ‬الثقافية‭ ‬وباقتراحاته‭ ‬الجَمالية‭.‬ وللأسف‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬المثقفين‭ ‬والكُتّاب‭ ‬والمفكّرين‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬نفسه،‭ ‬وإن‭ ‬امتلكوا‭ ‬وعي‭ ‬المعرفة‭ ‬فإنهم‭ ‬قد‭ ‬استخدموه‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬الترميز‭ ‬أو‭ ‬المجاز،‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬قوس‭ ‬التلطّف،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬البكاء‭ ‬واللطم،‭ ‬وانهاروا،‭ ‬أمام‭ ‬الموت‭ ‬المخيف،‭ ‬وكانوا‭ ‬موسميين،‭ ‬أو‭ ‬نزقيين،‭ ‬وكتابتهم‭ ‬أقرب‭ ‬لردّة‭ ‬الفعل،‭ ‬والمناسباتية،‭. ‬وراح‭ ‬كثير‭ ‬يثرثر‭ ‬فوق‭ ‬السطح،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتمكّن‭ ‬من‭ ‬التقاط‭ ‬الجوهرة‭ ‬العميقة‭ ‬المُشعّة،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬وقود‭ ‬المقاتل‭ ‬وعبقرية‭ ‬صموده‭ ‬ودافع‭ ‬تضحياته،‭ ‬أمام‭ ‬أعتى‭ ‬الأسلحة‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬المثقفين‭ ‬لم‭ ‬يبحثوا‭ ‬في‭ ‬الجذور‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬هذه‭ ‬الغابة‭ ‬المُقاوِمة،‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬اليباب‭ ‬والتصحّر‭ ‬الاستسلامي،‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الخريطة‭ ‬العربية‭! ‬ولم‭ ‬يسألوا‭: ‬كيف‭ ‬لهذا‭ ‬الفلسطينيّ‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬الثبات؟‭ ‬وما‭ ‬مكوّنات‭ ‬رباطه‭ ‬وجسارته‭ ‬واندفاعته‭ ‬الأسطورية؟‭ ‬ما‭ ‬عوامل‭ ‬ذلك؟‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬‮«‬ثقافة‮»‬‭ ‬تقف‭ ‬خلف‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟‭ ‬فما‭ ‬هي؟ حتى‭ ‬الدور‭ ‬الثقافي‭ ‬الميداني‭ ‬الشكلاني‭ ‬الشعبوي‭ ‬الجماهيري،‭ ‬للمؤسسات‭ ‬والنقابات‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية‭ ‬والثقافية‭.. ‬غاب‭! ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬يؤكد‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬مُستَلبة،‭ ‬هذه‭ ‬الاتحادات‭ ‬والنقابات‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬ويتمّ‭ ‬التلاعب‭ ‬بها؟‭ ‬فلا‭ ‬مهرجانات‭ ‬ولا‭ ‬ندوات‭ ‬ولا‭ ‬تظاهرات‭ ‬واعتصامات‭ ‬ولا‭ ‬أوبريت‭ ‬أو‭ ‬أناشيد،‭ ‬بل‭ ‬بيان‭ ‬يتيم،‭ ‬خجول،‭ ‬مصقول‭ ‬بالبلاغة،‭ ‬وبضعة‭ ‬مقالات‭ ‬مبذولة،‭ ‬حذرة،‭ ‬بكائية‭ ‬أو‭ ‬عنترية‭ ‬أو‭ ‬وعظية‭.. ‬والسلام‭.‬ ثمة‭ ‬قلّة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬مَنْ‭ ‬ظلّ‭ ‬مشاكساً‭ ‬جسوراً‭ ‬لا‭ ‬يوارب،‭ ‬ويواجه‭ ‬ويشير‭ ‬دون‭ ‬وَجل‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬الخلل‭ ‬والتخلّي‭.. ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يشكّلوا‭ ‬حالة‭ ‬فكرية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تخريب‭ ‬الوعي‭ ‬الجَمْعي‭ ‬المُمنهج،‭ ‬الذي‭ ‬يستخدمه‭ ‬الغرب‭ ‬والاحتلال‭ ‬وأدواتهما،‭ ‬ولم‭ ‬يطوّروا‭ ‬أو‭ ‬يشكّلوا‭ ‬تياراً‭ ‬فكرياً‭ ‬ذا‭ ‬ثقل،‭ ‬يؤسّس‭ ‬لمناعة‭ ‬وطنية‭ ‬تواجه‭ ‬العدميّة‭ ‬القومية،‭ ‬تجعل‭ ‬التساوق‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬المحتلّ‭ ‬ودوائر‭ ‬الاستعمار،‭ ‬عملاً‭ ‬مرفوضاً،‭ ‬صعباً‭ ‬بل‭ ‬مستحيلاً‭. ‬والمحتلّ‭ ‬ليس‭ ‬إسرائيل‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬يساندها‭ ‬وينطق‭ ‬بلسانها‭ ‬ويهيمن‭ ‬على‭ ‬الفضاءات‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭.‬ علينا‭ ‬أن‭ ‬ننتبه،‭ ‬أولاً،‭ ‬بأن‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭ ‬ليسوا‭ ‬أرقاماً‭ ‬مجرّدة،‭ ‬لا‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬البقاء،‭ ‬ومسطّحة،‭ ‬ولا‭ ‬نفاذ‭ ‬أو‭ ‬أثر‭ ‬لها‭! ‬بل‭ ‬لكل‭ ‬منهم‭ ‬قصة‭ ‬وحياة‭ ‬عريضة،‭ ‬وذكريات‭ ‬وبيت‭ ‬وأحلام‭.. ‬وأن‭ ‬فناءهم‭ ‬هو‭ ‬نفيٌ‭ ‬فاشيّ‭ ‬مبرم‭ ‬لكل‭ ‬ذلك،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإننا‭ ‬مطالبون‭ ‬بكتابة‭ ‬قصة‭ ‬كل‭ ‬شهيد‭ ‬بعينه،‭ ‬وكل‭ ‬جريح‭ ‬باسمه‭ ‬الكامل‭ ‬وعنوانه‭ ‬وطريقة‭ ‬إصابته‭ ‬وغدره،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تفيض‭ ‬الصفحات‭ ‬بالدم‭ ‬والأحلام‭ ‬المقتولة‭.‬ إن‭ ‬الضحايا‭ ‬ليسوا‭ ‬رقماً‭ ‬نكرّره‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭.. ‬ونمشي‭! ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نؤصّل‭ ‬كل‭ ‬مشهد‭ ‬ولحظة‭ ‬وحدث‭ ‬وقصة،‭ ‬بكل‭ ‬التفاصيل،‭ ‬لنراكم‭ ‬الرواية‭ ‬ونجعلها‭ ‬سبيكة‭ ‬صلبة،‭ ‬لتكون‭ ‬وثيقة‭ ‬ودليل‭ ‬إدانة،‭ ‬تفيض‭ ‬بكل‭ ‬السرديات‭ ‬والحكايات،‭ ‬عبر‭ ‬الكاميرا‭ ‬والقلم،‭ ‬حتى‭ ‬نواجه‭ ‬العدميّة‭ ‬ومحو‭ ‬الذاكرة‭ ‬والتحايل‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬وتجاوزها،‭ ‬وحتى‭ ‬يعرف‭ ‬التاريخُ‭ ‬الحقيقةَ‭ ‬الدامغة،‭ ‬كاملة‭ ‬غير‭ ‬منقوصة‭.‬ إنني‭ ‬أتمنى‭ ‬على‭ ‬الدارسين‭ ‬اعتماد‭ ‬تسمية‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬المذابح‭ ‬أو‭ ‬المجازر‮»‬‭ ‬لآلاف‭ ‬المجازر،‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬الصهيونية‭ ‬بحقّنا،‭ ‬وما‭ ‬كُتب‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر،‭ ‬مثلما‭ ‬لدينا‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬السجون‮»‬‭ ‬و«أدب‭ ‬المقاومة‮»‬‭ ‬و«أدب‭ ‬المنفى‮»‬‭.. ‬إلخ،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نُحصي‭ ‬كل‭ ‬حجر‭ ‬هدموه،‭ ‬وكل‭ ‬شلال‭ ‬دم‭ ‬وعرق،‭ ‬وكل‭ ‬صرخة‭ ‬وجنازة‭ ‬وذرة‭ ‬غبار،‭ ‬وكل‭ ‬جرح‭ ‬وحريق،‭ ‬وكل‭ ‬سيارة‭ ‬إسعاف‭ ‬بعثروها‭ ‬بمَن‭ ‬فيها،‭ ‬وكل‭ ‬اغتيال‭ ‬واستهداف‭ ‬مبيت‭ ‬وكل‭ ‬مئذنة‭ ‬طوّحتها‭ ‬الطائرات،‭ ‬وكل‭ ‬موقف‭ ‬وفعل‭ ‬ومبادرة،‭ ‬وكل‭ ‬لحظة‭ ‬ومحرقة،‭ ‬وكل‭ ‬مشفى‭ ‬دمروه،،‭ ‬وكل‭ ‬اسم‭ ‬مولود‭ ‬مات‭ ‬بعد‭ ‬وضعه‭ ‬بساعات،،‭ ‬وكل‭ ‬أيام‭ ‬العتمة‭ ‬وساعات‭ ‬العطش،‭ ‬وسلسة‭ ‬الغارات‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬القطاع‭ ‬محنة‭ ‬ممتدة،‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬وكل‭ ‬تصريح‭ ‬مسموم،‭ ‬أو‭ ‬مسيرة‭ ‬تتضامن،‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬انحازت‭ ‬للشيطان،‭ ‬أو‭ ‬مسؤول‭ ‬انتصر‭ ‬لفلسطين،‭ ‬وكل‭ ‬إحصائية‭ ‬للضحايا‭ ‬والبيوت‭ ‬وأطنان‭ ‬القنابل‭ ‬المُحرّمة‭. ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ننسى،‭ ‬أو‭ ‬يفوتنا‭ ‬شيء،‭. ‬لنتابع‭ ‬ونكتب‭ ‬ونصوّر‭ ‬ونحفظ،‭ ‬لتعلم‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬جرى،‭ ‬وطبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬الضاري‭.‬ باختصار‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬إبادة؛‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬محاولة‭ ‬صهيونية‭ ‬فاجرة،‭ ‬لإلغاء‭ ‬نتائج‭ ‬الساعة‭ ‬الأولى،‭ ‬مما‭ ‬حدث‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭. ‬لقد‭ ‬حرّرت‭ ‬غزّةُ‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬فتحت‭ ‬قضايا‭ ‬الظلم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القارات‭. ‬وكلامي‭ ‬عن‭ ‬غزّة‭ ‬لا‭ ‬يحرّرها،‭ ‬لكنّه‭ ‬يحرّرني‭.‬ {‭ ‬رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتّاب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬سابقا

مشاركة :