إبراهيم الفرحان ما يحدث اليوم من خذلان الأنظمة العربية لأهل غزة لا يدعو للأسف أو التحسر لأننا اعتدنا على بؤس وشتات القرار العربي، فهذه مرحلة انتهت منذ فترة طويلة والشعوب أدركت ذلك مبكراً، لذلك دائماً كانت مواقف الشعوب العربية مع نخبها الثقافية بكل أطيافها تقف على مسافة واحدة تجاه القضية الفلسطينة، على أنها قضية العرب الأولى وأن الصراع العربي الإسرائيلي هو «صراع وجود وليس صراع حدود» بمعنى أنه لا بديل عن مقاومة الاحتلال. اليوم المشهد بدأ يتغير، وبدأ يخرج علينا خطاب عربي جديد، يقوده بعض المثقفين العرب وأتباع لهم، وهو نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية، وتحميلها الذنب فيما يحصل في غزة، وهذا ما كانت تسعى إلى تحقيقه إسرائيل، وهو تشويه صورة المقاومة داخل البيت العربي بعد أن نجحت في إقناع المجتمع الغربي بأن حركة حماس منظمة إرهابية لا تختلف عن تنظيم القاعدة. إسرائيل أرادت إلحاق كل فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس باللعبة الإقليمية وتقطيع صلاتها العربية، أصبحت فصائل المقاومة في موقع الدفاع عن ذاتها وعن طهارة مرادها، التهم بدأت تلاحقها ليس من إسرائيل أو المجتمع الغربي فقط، إنما من العرب أنفسهم، وهنا يتحقق المراد الإسرائيلي وهو محاولة إضعاف همة المقاومة وحصارها من جديد. أُذَكر أصوات النشاز بأن غزة تعيش أسوأ وأطول حصار في العالم، ثمانية أعوام من خنقها، ناشدت المجتمع الدولي والمؤسسات والمنظمات الدولية بممارسة الضغط على إسرائيل من أجل فتح كافة المعابر أمام حركة الأفراد والبضائع والعمل على رفع الحصار المفروض على قطاعها لتجنيب كارثة اقتصادية، اجتماعية، صحية، وبيئية، لكن كل المجتمع الدولي أدار ظهره لهذه المطالب. الآن عندما ينتفض أحد فصائل المقاومة ويعبر عن الظلم الذي لحق بأهله في غزة، يخرج قطيع يسفل ويسفه بصواريخ المقاومة ويتهمها بالعبثية، وأنها هي من تستفز الإسرائيليين! الحقيقة أن مثل هذا الخطاب يرفع الغطاء العربي عن القضية الفلسطينية برمّتها، وليس عن المقاومة فحسب، وهذا منعطف تاريخي خطير يهدد الثوابت العربية تجاه القضية الفلسطينية، إضافة إلى انهيار قوة الردع «المعنوي» العربي لإسرائيل، وهو ما يسمح بقبول أية رؤية قد تفرضها إسرائيل للتسوية. وهنا أشير إلى أنه من حق حركة حماس أن تعتذر عن قبول المبادرة المصرية، فالمبادرة لم تتضمن فتح المعابر وفك الحصار، وهذا حق تتمسك به كل فصائل المقاومة الفلسطينية. لقد ناشد العرب والفلسطينيون السلام مع إسرائيل مئات المرات لكنهم لم ينجحوا، لذلك العودة إلى المعادلة التاريخية التي تكمن في مواجهة الاحتلال من قبل فصائل المقاومة هي الطريقة الأنجع والأصلح حتى لا تموت القضية. صحيفة مكة
مشاركة :