أصدرت السلطات الجزائرية قانونا جديدا للإعلام يكرس حماية الصحافيين ويضمن عدم تعرضهم للاعتقال أو السجن بسبب قيامهم بعملهم، ويعتبر من حيث المبدأ انتصارا للحريات، لكن الواقع يشير إلى وجود قوانين أخرى بموجبها يتم الحكم على الصحافيين بالسجن ومازالت سارية المفعول. ويلغي القانون الجديد أحكام “الجرائم الصحفية” في البلاد، لكن لا يزال هناك اثنان من الصحافيين البارزين خلف القضبان، إذ استخدمت السلطات ضدهم قوانين أخرى لمحاكمتهم بما في ذلك القانون الذي يحظر التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام، ويؤكد صحافيون أن القانون صدر قبل الانتخابات من أجل تلميع صورة السلطة. وأقر وزير الاتصال محمد لعقاب عقب مصادقة أعضاء مجلس الأمة على النصين القانونيين، في جلسة علنية الثلاثاء ترأسها رئيس المجلس صالح قوجيل، بأن المراسيم التطبيقية لقانون الصحافة المكتوبة والإلكترونية وقانون نشاط السمعي البصري “جاهزة وسوف ترسل إلى الأمانة العامة للحكومة مباشرة بعد نشر القانونين في الجريدة الرسمية”. ووصف النصين القانونيين بـ”المكسب المهم جدا” من أجل “بناء منظومة إعلامية منظمة وقوية”، وأعرب الوزير عن أمله في أن تساهم الترسانة القانونية في “الارتقاء بالممارسة المهنية ببلادنا إلى أعلى الدرجات”، مشيرا إلى أن القانون الجديد جاء بعد “توجيهات من رئيس البلاد عبدالمجيد تبون”. وأشاد العديد من الصحافيين بالقانون الجديد باعتباره تقدما كبيرا، فيما ينظر إليه بعضهم بحذر، بحسب تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس. القانون الجديد من غير المرجح أن يؤثر على الحكم بسَجن الصحافي إحسان القاضي مدة سبع سنوات القانون الجديد من غير المرجح أن يؤثر على الحكم بسَجن الصحافي إحسان القاضي مدة سبع سنوات وقال الصحافي المتقاعد والناشط السياسي أحمد خزنة إنه “يرحب بالقانون”، وتساءل “لماذا قررت إدارة تبون إقراره الآن بعد سنوات من سجن الصحافيين، بمن في ذلك خالد درارني وإحسان القاضي”. وأضاف أن “الأمر يتعلق باقتراب الانتخابات الرئاسية، لذلك يحتاجون إلى الاعتناء بصورتهم”، مشيرا إلى أن حرية الصحافة تتعارض مع ما يؤمن به من هم في السلطة. ويأتي الانفتاح على قطاع الصحافة الذي كان نابضًا بالحياة في الجزائر، والذي أصبح الآن ناشئًا، قبل عام من حملة تبون لإعادة انتخابه. ويقبع عدد من الصحافيين الجزائريين في السجن بعد إدانتهم أو هم في انتظار المحاكمة، بحسب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان. ومن بين هؤلاء الصحافيين خالد درارني مراسل تلفزيون “تي في 5 موند” ومنظمة “مراسلون بلا حدود” في الجزائر، والذي قضت محكمة بسجنه لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة “التحريض على التجمهر غير المسلح” و”المساس بالوحدة الوطنية”. وفي يونيو الماضي شددت محكمة الاستئناف في الجزائر الحكم الصادر بحق الصحافي إحسان القاضي المسجون منذ ديسمبر 2022، وقضت بسجنه سبعة أعوام، منها خمسة نافذة، بزيادة سنتين عن الحكم الابتدائي. وحوكم القاضي (63 عاما) بتهمة تلقي أموال من الخارج “قصد القيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة أو باستقرار مؤسساتها”، كما أعلنت النيابة خلال المحاكمة الابتدائية. وقد أثارت الحالتان اللتان أشار إليهما خزانة إدانة دولية للجزائر. وقال محامي القاضي فتا السادات إنه يعتقد أن القانون الجديد من غير المرجح أن يؤثر على الحكم الصادر بحق موكله بالسجن لمدة سبع سنوات. القانون الجديد يلغي أحكام "الجرائم الصحفية" في البلاد، لكن لا يزال هناك اثنان من الصحافيين البارزين خلف القضبان وخلال فترة ولاية تبون تم إغلاق أكبر صحيفة باللغة الفرنسية في البلاد “ليبرتي”، بالإضافة إلى الصحافيين الذين يواجهون أحكامًا بالسجن. كما توقفت الكثير من المواقع الإخبارية عن الاتصال بالإنترنت بينما لا يزال يتعذر الوصول إلى مواقع أخرى في جميع أنحاء البلاد دون شبكة “في بي أن”. وكان إلغاء قانون “جرائم الصحافة” الجزائري قيد المناقشة في البرلمان منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث تم إدراجه لأول مرة في القانون الوطني عام 2011، لكن تم تعليقه مع استمرار البلاد في استخدامه لمحاكمة الصحافيين الذين كتبوا انتقادًا للحكومة، لاسيما خلال احتجاجات الحراك عام 2019 التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. وقد استخدم القانون كذريعة لسجن العديد من الصحافيين، بمن فيهم القاضي ومصطفى بن جامع، رئيس تحرير صحيفة “لو بروفنسال” اليومية. وسيدخل القانون الجديد حيز التنفيذ عند نشره في الجريدة الرسمية للبلاد، وفي ذلك الوقت لن تقوم المحاكم بالفصل في ما يمكن للصحافيين كتابته. ومن المفترض أن تنظم المهنة منظمات الصحافة المهنية في البلاد ومجلس الأخلاق والسلوك وهيئة تنظيم وسائل الإعلام المطبوعة وهيئة تنظيم السمعي البصري. واحتلت الجزائر المرتبة 136 من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” في العام 2023. القانون الجديد يشترط على الراغبين في إنشاء قنوات أن تتوفر فيهم شروط تخص الخضوع للقانون الجزائري واعتبر وليد كبير، الإعلامي والناشط الحقوقي الجزائري، أن “الممارسة الإعلامية في الجزائر التي تلَت مصادقة السلطات على قانون جديد للإعلام (رقم 14 – 23) كرّست حقيقة مفادها أن النظام لا يمتلك نية نحو الانفتاح وتحرير الصحافة والإعلام”. وتابع أن “المتأمل في قانون الإعلام الجديد يخرج بخلاصة بارزة مفادها أنه لم يأتِ بنَفَس انفتاحي كبير لمختلف وسائل الإعلام”. وأضاف “كلّنا تابعنا ولاحظنا أنه قانون جديد ينظم الإعلام -كما سُمّي- غير أنه تضمَّن غرامات وعقوبات من أجل تقويض حرية عمل الصحافي، ونقطة هامة مثيرة متعلقة بمنع الجزائريين مزدوجي الجنسية من إنشاء مقاولة صحافية”، مبرزا أن ذلك “يجعل سلطات الجزائر تسقُط في تناقض صريح مع المادة 35 من الدستور الجزائري المستفتى عليه في 2020، الذي نص على مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق كما الواجبات”. وينص القانون الجديد على إحداث “السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري”، وهي هيئة مستقلة قائمة بذاتها، تضم كفاءات وطنية، وتتولى ضبط المضامين الإعلامية التي تبث عبر وسائل الإعلام والاتصال. ويكلّف القانون الهيئة بمتابعة مدى احترام مطابقة البرامج التي تبثها القنوات التلفزيونية والإذاعية المستقلة والحكومية للقوانين، وممارسة الرقابة على مضمون وكيفية برمجة الحصص الإعلانية، والتأكد من احترام البرامج المخصصة للإنتاج السمعي البصري الوطني، والتعبير باللغتين الوطنيتين الرسميتين، فضلاً عن إعداد إستراتيجية وطنية لتطوير مجال السمعي البصري. ويشترط القانون الجديد على الراغبين في إنشاء قنوات أن تتوفر فيهم شروط تخص الخضوع للقانون الجزائري، وإثبات حيازة مدير ومالك القناة وجميع المساهمين الجنسية الجزائرية فقط، وإثبات تمتّع مدير المؤسسة بخبرة فعلية في مجال الإعلام لا تقل عن ثماني سنوات وشهادة جامعية، وألا يكون قد تعرّض لحكم قضائي في قضايا فساد أو أفعال مخلة بالشرف، وأن يثبت أن رأس المال وطني خالص، وأن يكون ضمن المساهمين صحافيون أو مهنيو قطاع الإعلام.
مشاركة :