يعتقد بعض الواهمين أن الشريعة الإسلامية حاصرت المرأة بتشريعات تحد من انطلاقاتها، وتحرم المجتمع الإنساني من جهودها، وتضع أمامها القيود التي تفرض عليها أن تجلس في البيت وتغطي وجهها، وجعلت لوالدها أو زوجها حق التحكم في تصرفاتها.. وغير ذلك من المفاهيم الخاطئة والمعتقدات الباطلة، التي يرددها البعض من دون علم بشريعة الإسلام، وحقيقة ما قررته للمرأة من حقوق، توفر لها كل مقومات الحياة الكريمة، وسط مجتمعات ترعاها حق الرعاية، وتوفر لها الحماية اللازمة. التساؤلات المهمة هنا: ماذا قدمت الشريعة الإسلامية للمرأة من حقوق؟ وهل قوامة الرجل عليها تعني فرض وصاية تحد من استمتاعها بحقوقها؟ وهل شريعة الإسلام ظلمت المرأة عندما قررت لها نصيبا في الميراث أقل من نصيب الرجل؟ ولماذا يضع البعض أمامها القيود والعراقيل حتى لا تدخل البرلمان أو تجلس على منصة القضاء استناداً إلى أقوال لعلماء أو فقهاء سابقين؟ تساؤلات كثيرة طرحناها على عدد من علماء الشريعة الإسلامية لتوضيح حقيقة موقف شريعتنا العادلة من المرأة بعيداً عن مزاعم وأوهام التائهين والجاهلين. يرصد د. أحمد كريمة - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر - الاتهامات الظالمة التي توجه لشريعة الإسلام وموقفها من المرأة، فيقول: في الواقع لا تزال المفاهيم الخاطئة عن الإسلام وتشريعاته تسيطر على عقول بعض الناشطات في مجال حقوق المرأة في عالمنا العربي والإسلامي، فالكتابات والصيحات التي تحمل الثوابت الدينية مسؤولية ما تعاني منه المرأة العربية من أزمات ومشكلات لا تتوقف، وتتردد للأسف على ألسنة مثقفين ومثقفات مسلمين وليس على ألسنة المستشرقين وخصوم الإسلام وحدهم. وهذه المزاعم وتلك الاتهامات العشوائية تفتقد الموضوعية والدقة والعلم الصحيح بحقيقة ما كفلته الشريعة الإسلامية للمرأة من حقوق، وما وفرته لها من حماية، وهذه الاتهامات التي لم تعد تقتصر على المستشرقين وغيرهم من خصوم الإسلام، تجسد حالة الانفلات الفكري والثقافي التي نعيشها في عالمنا العربي، حيث تخلى معظم المتحدثين عن حقوق المرأة والمعنيين بحريتها وحقوقها عن أبسط قواعد التفكير المنطقي والالتزام بمناهج البحث والتحري والتعرف على الحقائق من مصادرها الأصلية، ولذلك اتهموا الإسلام عدوانا وظلما بأنه يعادي المرأة، ويهدر حقوقها، ويميز الرجل عليها، وجسدوا كل مشكلات وأزمات المرأة في عالمنا العربي والإسلامي في قوامة الرجل وتسلطه عليها، وفي التزامها بالحجاب، وفي مطالبتها بأداء واجباتها الزوجية والأسرية. مفاهيم خاطئة والمتحدثون والمتحدثات عن حقوق المرأة ومشكلاتها عن جهل في عالمنا العربي ينطلقون - كما يقول د. كريمة - من مفاهيم خاطئة حيث اتهموا الإسلام من دون أن يتعرفوا عليه، وخلطوا بين التعاليم والتشريعات الإسلامية التي لا يطبق منها إلا القليل، وبين سلوكيات خاطئة شاعت بين الرجال العرب، التزاماً وتمسكاً بعادات وتقاليد بالية يرفضها الإسلام، ويدين كل من يتمسك بها، لأنها تتصادم مع تشريعاته وتوجيهاته التي أحاطت المرأة بسياج من التكريم والحماية، لا تجده إلا في الإسلام. وينتقل أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر ليوضح حقيقة موقف الإسلام من المرأة وإقرار شريعتنا الغراء لكل حقوقها، ويقول: كل دارس موضوعي ومنصف يعرف جيدا ما كفلته شريعتنا العادلة من حقوق توفر للمرأة حياة حرة كريمة في ظل رعاية أسرية واجتماعية شاملة لا تجدها المرأة في أي شريعة أو نظام آخر.. حتى في الغرب - الذي يتغنى بحقوق الإنسان ويحاول فرض وصايته على المرأة المسلمة - لا تحظى فيه النساء بالحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة المسلمة والتي يحق لها أن تفتخر بها في كل زمان ومكان. التعليم والعمل ويشير د. كريمة إلى حق أساسي أو جوهري حرمت منه المرأة كثيرا في بلادنا العربية والإسلامية وهو حق التعليم، ويقول: فضل التعليم والتعلم في شريعتنا ظاهر واضح، والعلم بمعناه العام يشمل العلوم الإنسانية والمدنية ومنها الزراعة والصناعة والسياسة والطب والتكنولوجيا وغير ذلك من أنواع العلوم مما يرتبط بمصالح الإنسان في الدنيا. فضلاً عن علوم الدين التي ينبغي أن يكون للمرأة نصيب وافر منها، ولا خلاف بين العلماء والفقهاء حول مشروعية تعليم النساء كل العلوم والآداب، ومنهم من قال بوجوب قيام المتأهلة من النساء بتعليم علوم الشرع، كما كانت السيدة عائشة - رضي الله عنها - تفعل.. وقد قال الله - عز وجل - لنساء رسوله: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة. ونظراً لترديد بعض المحسوبين على الدعوة الإسلامية، ممن ينادون بخلاف هذا، ينخدع من ينخدع، وتبقى الأمية لاحقة بالمرأة.. فالواجب تصحيح تلك المقولات والتقولات والمزايدة بالدين كذباً وزوراً.. وحق التعليم للمرأة كالرجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وقال: من كانت له ابنة فأدبها وأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه، كانت له سترا أو حجابا يوم القيامة. وحول حق المرأة في العمل وسلطة الزوج في منعها من ممارسة أعمال خارج المنزل قال د. كريمة: حق المرأة في العمل مكفول، ولا يجوز لأحد - حتى لو كان الزوج - أن يمنع المرأة من العمل المؤهلة له الذي لا يتعارض مع طبيعتها ولا يعوقها عن أداء واجباتها الأسرية. وإذا عملت المرأة فليس من حق زوجها شرعا مشاركتها في دخلها من هذا العمل، فالإسلام أعفى المرأة من كل المسؤوليات المادية للأسرة، إلا إذا كانت العائل الوحيد للأبناء، فالالتزامات المالية كلها تقع على الزوج، ومن الأمور التي قررتها شريعة الإسلام - وتؤكد تكريمها للمرأة - أن المرأة المتزوجة لها شخصيتها الكاملة وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته، إذ لكل منهما ذمته المالية المستقلة فلا شأن لها بما يكسبه أو ثروته، وكذلك لا شأن للزوج بثروة زوجته أو بدخلها أو راتبها، فهما في شؤون الملكية والثروة والدخل ومنفصلان تماماً. ومن هنا فلا إلزام على الزوجة بإعطاء زوجها راتبها أو شيئاً منه إلا برضاها ومحض إرادتها. سلوك مرفوض الفقيهة الأزهرية، د. سعاد صالح - أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر للبنات - توضح بالأدلة والبراهين كيف ارتقت شريعة الإسلام بمكانة المرأة وكفلت لها حقوقا لم تحظ بها المرأة في أي تشريع أو نظام آخر، وإذا كان بعض المسلمين قد حرموها من بعض هذه الحقوق أو معظمها فهذا ليس دليل إدانة للإسلام بل هو سلوك بشري خاطئ من بعض المسلمين لا ينبغي أن ينسب إلى الإسلام، لأنه مرفوض ومدان من علماء المسلمين، ومن الجماهير الإسلامية الواعية التي تفرق بين تعاليم الإسلام وتشريعاته ومبادئه وبين العادات والتقاليد المتوارثة في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، والتي حالت - ولا تزال- دون حصول المرأة على كامل حقوقها الشرعية. وتصف أستاذة الشريعة الإسلامية موقف الشريعة الإسلامية من المرأة بالموقف الإصلاحي، حيث جاءت الشريعة بكل ما يؤدي إلى رفع الظلم والمعاناة عن المرأة ويتلخص ذلك في مبدأين أساسيين هما: أخوة النسب البشري، فالمرأة أخت الرجل، وهذه الأخوة تقتضي المساواة، وهذا ما جاءت به شريعة الإسلام التي ساوت بين الرجل والمرأة في الإنسانية وفي التكاليف الشرعية، وفي طلب العلم والمعرفة، وفي حق العمل وفي الحقوق المدنية، وفي تحمل المسؤولية وفي أصل التوارث، وفي أصل الشهادة. كما قررت الشريعة أهلية المرأة بشكل متكامل غير مقيد بأي قيد - عدا ما حرم الله ورسوله - وذلك في جميع التصرفات المدنية والاقتصادية والشخصية، بحيث جعل لها الحق والأهلية لحيازة المال مهما عظم مقداره، والإرث والهبة والوصية والدين والتملك والتكسب والتعاقد والمصالحة والتقاضي والتصرف فيما تحوز وتملك.. وغير ذلك من الحقوق مما لم تصل إليه المرأة في أي حضارة من الحضارات ولا ديانة من الديانات. حقائق واضحة العالم الأزهري، د. نصر فريد واصل - عضو هيئة كبار العلماء، مفتي مصر الأسبق - يرفض الرد على الأصوات النشاز التي تزعم انتقاص الشريعة الإسلامية من حقوق المرأة، ويؤكد حقيقة مهمة، وهي أن ما يردده هؤلاء هو مجرد ادعاءات ومزاعم ولا علاقة له بحقيقة الموقف الإسلامي الداعم لكل حقوق المرأة، ويقول: ما يردده هؤلاء يؤكد جهلهم بشريعة الإسلام، وتحولهم إلى أبواق تنقل وتردد مزاعم وأكاذيب خصوم شريعتنا من دون وعي وإدراك لمخاطر ما يرددونه، ولو كلف هؤلاء أنفسهم واطلعوا على ما قررته الشريعة الإسلامية للمرأة من حقوق ما رددوا هذا الكلام الساذج الذي يسيء إليهم ويدينهم ولا يدين الإسلام، لأن حقائقه واضحة لكل العقلاء وتعاليمه وتشريعاته المنصفة للمرأة والداعمة لكل حقوقها محل احترام وتقدير كل من يتعرف عليها من المسلمين وغير المسلمين. وينتهى مفتي مصر الأسبق إلى تقرير حقيقة واضحة لكل ذي عقل وفكر ووعي وثقافة، وهي أن شريعة الإسلام كرمت المرأة تكريما عظيما، ورفعت مكانتها إلى عنان السماء، بعد أن كانت قبل الإسلام في نظر الشرائع الوضعية والأمم السابقة سلعة مثل غيرها من السلع التجارية التي تباع وتشترى، بل كانت في نظر البعض رجسا من عمل الشيطان، فالإسلام وهو دين العدالة والمساواة لم يهدر حقوق المرأة بل رفع مكانتها إلى مكانة الرجل سواء بسواء، وجعل النساء شقائق الرجال، والقرآن الكريم يقول: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا. قمة الجهل ويضيف مفتي مصر الأسبق: إن ادعاء البعض بأن الإسلام انتقص من حقوق المرأة أو أعطى الرجل الفرصة للتسلط عليها ومعاملتها معاملة غير كريمة هو قمة الجهل بتشريعات الإسلام، كما أنه يدعم نهج خصوم شريعتنا في الغرب الذين يرددون الاتهامات جزافا لصرف المرأة المسلمة عن هداية دينها، وهذا سلوك لا يليق بمسلم، فالإيمان بالإسلام يقتضي الإيمان بأنه عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وأنه أنقذ المرأة من كل المظالم وأن المرأة - بنتاً أو زوجة أو أماً أو أختاً - حظيت بكل حقوقها في ظل تشريعات الإسلام.. وهذا ما ينبغي أن يؤمن به كل مسلم. وختاما يدعو د. واصل إلى ضرورة التفرقة بين العادات والتقاليد التي ظلمت المرأة وحرمتها من بعض حقوقها وبين تشريعات الإسلام العادلة التي أنصفتها في كل المواقف، ووقفت إلى جانبها، وقررت لها حقوقها كاملة، وجرمت كل عدوان على هذه الحقوق. ويقول: مظاهر التكريم والحفاوة بالمرأة تتضح في كل تشريعات الإسلام المتعلقة بها والتي توفر لها الحماية وتضمن لها الحقوق وتلزم الآخرين بالتعامل الراقي معها والاعتراف بوجودها وإقرار رسالتها وتمكينها من أداء أدوارها المرسومة لها.. وعندما تقرر شريعة الإسلام للمرأة حقاً فعلينا أن نقول لها سمعاً وطاعة وأن نكف عن التعامل مع نسائنا وفق أهوائنا، وأقول لمن يحرمون النساء من حقوقهن: أنتم لا تفهمون شريعتكم.
مشاركة :