ارتفع السعر الفوري للذهب إلى أعلى مستوى خلال الأشهر الستة الماضية، مدعوما بآمال أن التشديد النقدي في الدول الغربية قد تم تنفيذه إلى حد كبير. في حين أن الدلائل التي تشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الغربية الأخرى قد انتهت من زيادة أسعار الفائدة تعد إيجابية بالتأكيد للمعدن الثمين، إلا أنها ليست العامل الوحيد. كما نعلم أن الصين والهند تشكلان أكثر من 50 في المائة من سوق الذهب الفعلي، ما يمنح الدولتين الآسيويتين الثقيلتين تأثيرا كبيرا في مسار الأسعار المحتمل. وبالقيمة بالعملة المحلية، يقترب الذهب من مستويات قياسية في كل من الصين والهند، وهناك دلائل على أن هذا قد يبدأ التأثير في طلب التجزئة لكلا البلدين. وصل الذهب الفوري إلى أعلى مستوى له في ستة أشهر عند 2017.82 دولار للأوقية أخيرا، مرتفعا 11.5 في المائة منذ أدنى مستوى له أخيرا عند 1809.50 دولار في السادس من أكتوبر. بالروبية الهندية، وصل الذهب إلى 168.145 روبية للأوقية أخيرا، بالقرب من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 169.401 روبية منذ الرابع من مايو. وقد ارتفع 11.8 في المائة منذ أدنى مستوى له أخيرا في السادس من أكتوبر عند 150.401 روبية. في حين أن الطلب على الذهب في الهند كان قويا حتى الآن خلال 2023، بما يتوافق مع القوة في الاقتصاد المحلي، يبدو أن بعض الزخم قد يخرج من السوق. تضاعفت الخصومات التي يقدمها التجار على الأسعار المحلية الرسمية، بما في ذلك 15 في المائة رسوم استيراد و3 في المائة رسوم مبيعات، إلى ستة دولارات للأوقية الأسبوع الماضي وسط تقارير عن الطلب الضعيف للموسم المقبل. إنها قصة مماثلة في الصين، حيث انخفضت العلاوة على الأسعار الفورية إلى 20 و40 دولارا للأوقية الأسبوع الماضي من 43 دولارا إلى 58 دولارا سابقا. والمؤشر الآخر للطلب الصيني هو وارداتها من هونج كونج، التي انخفضت للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر الماضي. أظهرت بيانات من إدارة التعداد والإحصاء في هونج كونج أن صافي واردات الصين من هونج كونج انخفض 23 في المائة إلى 26.793 طن متري في أكتوبر، مقارنة بـ34.757 طن في سبتمبر. يعد ارتفاع الأسعار واستمرار عدم اليقين الاقتصادي في أكبر مستهلك للذهب في العالم من الأسباب الأكثر ترجيحا لضعف الطلب على الواردات. وصل الذهب الفوري بالعملة الصينية إلى 14433 يوانا للأوقية أخيرا، ليقترب من أعلى مستوى قياسي عند 14701 يوان بدءا من 27 أكتوبر. والسعر الآن أعلى بنسبة 15.7 في المائة من أدنى مستوى لعام 2023 البالغ 12479 يوانا، الذي سجله منتصف فبراير الماضي. قد يؤدي ارتفاع سعر الذهب للمستهلكين في الصين إلى تقليص الطلب بشكل أكبر في الربع الرابع، بعد أن أعلن مجلس الذهب العالمي انخفاضا في الربع الثالث. قال المجلس في أحدث تقرير له عن اتجاهات الطلب على الذهب: إن الطلب على المجوهرات في الصين بلغ 153.7 طن متري في الربع الثالث، بانخفاض 6 في المائة عن 163.2 طن متري في الربع نفسه من العام الماضي. ويرى المجلس أن هذا كان في الواقع أداء قويا للغاية، مشيرا إلى حقيقة أنه من حيث القيمة باليوان، فإن الربع الثالث كان رقما قياسيا. لكن السؤال الرئيس هو ما إذا كان المستهلكون في الصين على استعداد للاستمرار في شراء الذهب في مواجهة الأسعار المرتفعة، ويشير انخفاض الواردات من هونج كونج وانخفاض العلاوات إلى عزوف متزايد عن ذلك. وينطبق الشيء نفسه على الهند، التي شهدت أيضا طلبا معقولا على المجوهرات في الربع الثالث، حيث أبلغ المجلس عن زيادة 7 في المائة إلى 155.7 طن متري من 146.2 طن متري في الفترة نفسها من 2022. لكن من الجدير بالذكر أن مكاسب الربع الثالث جاءت وسط تراجع الأسعار المحلية، التي كانت في اتجاه هبوطي من مايو إلى أوائل أكتوبر الماضي. ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع الأسعار الأخير إلى تقليص نمو الطلب في الهند في الربع الحالي. بشكل عام، يميل الذهب إلى الارتفاع على أساس مستدام عندما تعمل المحركات الرئيسة الثلاثة للطلب في انسجام تام. وهي عبارة عن شراء استثماري، يتجلى في ارتفاع الحيازات في صناديق الذهب المتداولة في البورصة وشراء البنوك المركزية، وأخيرا شراء المجوهرات والسبائك والعملات المعدنية. كما ارتفعت التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من أنها لا تزال بعيدة عن أعلى مستوياتها في 2023. وكانت مشتريات البنك المركزي قوية في الربع الثالث، حيث أبلغ المجلس عن 337 طنا متريا، وهو ثاني أقوى ربع ثالث على الإطلاق. لكن التصدي للدوافع الإيجابية يشير إلى أن الأسعار المرتفعة تقوض نمو الطلب في الأسواق الرئيسة في الصين والهند. والنتيجة أن هذا لا يعني أن الذهب لا يمكنه تحقيق مزيد من المكاسب، لكنه قد لا يكون رهانا مؤكدا كما تشير النهاية المحتملة للتشديد النقدي في الاقتصادات الغربية.
مشاركة :