العدالة المناخية.. والتحديات العالمية الراهنة

  • 12/3/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التأمت في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة قمة المناخ العالمية «كوب 28» بحضور دولي كثيف وإعداد جيد، بما جعل من هذه القمة خطوة نوعية في الوعي الكوني بالأزمات المناخية التي تهدد البشرية راهناً. وفق معطيات البنك الدولي، ستؤدي الاختلالات المناخية إلى تهجير 216 مليون فرد من مواقعهم الأصلية قبل سنة 2050، كما ستؤدي إلى تقليص مريع للمساحات الزراعية والثروات الطبيعية، وتقضي على الحياة العمرانية في مناطق كثيرة من العالم، وتفضي إلى ضروب مخيفة من المجاعات والحروب الأهلية. تلك تخوفات معروفة، وقد تناولتها أقلام كثيرة، وتحولت إلى صدارة الأجندة الجيوسياسية العالمية، لكن أردنا أن نتناولها اليوم من منظور آخر، هو مفهوم «العدالة المناخية» الذي بلوره الفيلسوف الأميركي (من أصول نيجيرية) أوليفمي تايو في كتابه «إعادة النظر في مسألة التعويضات» الصادر في السنة الماضية. «تايو» من الفلاسفة الشباب، وقد دخل من منطلقات جديدة إلى الحوار النظري المتشعب الذي أحدثته نظرية العدالة لجون رولز التي يرى أنها حصرت موضوع العدالة في نوعية الموارد المتاحة للمجتمع دون النظر في الإمكانات الفعلية التي بمتناولهم. إنه نقد متأثر لاشك بنظرية «الكفاءات» كما وضعها الفيلسوف والاقتصادي الهندي أماراتيا سن، لكن تايو يضيف ملاحظتين أساسيتين هما: أولاً: إن رولز يفترض أن مبادئ العدالة لا بد من أن يستوعبها كلياً المجتمع المنظم، بيد أنه لا يتصور هذا المجتمع إلا في شكل دولة وطنية قائمة، بما يترتب عنه إهمال جوانب من انعدام العدالة لا علاقة لها بالكيان السياسي القومي مثل آثار الاستعمار وأنماط تراكم الثروة المتولدة عن الثورة الصناعية. فرولز يركز اهتمامه على العدالة الداخلية على حساب مقتضيات العدالة العالمية. ثانياً: إن التصور التداولي للعدالة خلف قناع الجهل ينطلق من مقاربة مباشرة وآنية للعدالة، لا تقيم شأناً للدور الفاعل للتاريخ في تشكل القيم المدنية والاجتماعية، وهو دور لا يمكن السكوت عنه في جذور اختلالات العدالة في الظرفيات الراهنة. ومن هنا يركز «تايو» على الجذور البعيدة للحيف والغبن والتفاوت في السياسات الاستعمارية وتجارة الرقيق والاستيطان الزراعي القمعي، بما لها من آثار حالية تبدو واضحة في المسألة المناخية. ينظر «تايو»» إلى الإرث الاستعماري باعتباره ليس حدثاً من الماضي الغابر، بل إن نتائجه الكارثية على الأوضاع المعيشة لا تزال قائمة ومستمرة. الأمر هنا لا يتعلق بسياسات ظرفية متجاوزة، بل بمسارات تشكيل عوالم متكاملة لا تزال نعيش فيها حالياً، وسنعيش فيها مستقبلاً. في هذا السياق، يشير تايو إلى أنماط حاضرة من الخيارات الحيوية التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية مثل السياسات العمرانية التي فوضت التوازنات الاجتماعية التقليدية، والمسلكيات الاقتصادية التي دمرت البيئة، والمقاربات الطاقية والصناعية التي أدت إلى «غضب الطبيعة» وتمرد الوسط الايكولوجي. وهكذا يتبنى تايو مفهوم «العدالة التعويضية» التي تعني تجاوز المفهوم الأدبي الصوري للعدالة الذي يتعلق بالقوانين والمعايير الكونية المجردة إلى الحل الإصلاحي العملي الذي يفرض على الطرف المسؤول عن انتهاك الحقوق البيئية بدلالاتها الشاملة، تعويض المتضررين من سياساته وقراراته. لقد قالت هيئة الأمم المتحدة إن الدول النامية بحاجة إلى 387 مليار دولار سنوياً للتكيف مع التغيرات المناخية، وهي تكلفة عالية لا قبل لهذه البلدان بها دون عون خارجي سخي. ومن هنا أهمية إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، إنشاء صندوق عالمي للحلول المناخية بقيمة ثلاثين مليار دولار، بادرت الإمارات بالتبرع له في إطار المجهود المطلوب لسد فجوة التمويل المناخي. بالنسبة لـ «تايو» لا يمكن تحقيق العدالة المناخية إلا من خلال قلب الأنماط الصناعية والتنموية العالمية، وتعويض البلدان التي كانت مستعمرة عن قرنين كاملين من الاستغلال انعكس سلبياً على صحتها المناخية، ومن وسائل التعويض الممكنة إلغاء مديونية الدول الفقيرة وتأهيلها للاقتصاديات النظيفة. مفهوم «العدالة التعويضية» الذي يستخدمه «تايو» دخل بقوة في الحقل الفلسفي الراهن، في إطار مقاربات «الحقوق التمييزية المنصفة»، التي سادت في الأوساط الفكرية الأميركية. الا أن هذا المفهوم يطرح إشكالات نظرية معقدة تتمحور حول مفارقة انتهاك المعايير الكونية للعدالة حرصاً على تفعيلها، بما ينجم عنه خلق ضروب من التفاوت والتمييز يبحث لها لاحقاً عن شرعية قيمية. وخلاصة الأمر، أنه من الضروري توسيع نطاق العدالة إلى الحقل المناخي الذي يستأثر باهتمام عالمي متزايد، وإن كان المطلوب هو وضع سياسات تضامنية دولية حقيقية لا إجراءات تعويضية مثالية. *أكاديمي موريتاني

مشاركة :