نابليون .. كشف النقاب عن الوجه الآخر للإمبراطور

  • 12/6/2023
  • 18:55
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثار فيلم نابليون جدلا عالميا منذ طرحه في صالات العرض السينمائية، وبين مؤيد ومعارض، انقسمت الآراء، وذهب البعض إلى وصفه بعيدا عن الحقيقة ويحمل كثيرا من المغالطات التاريخية وأحداث منها ما حصل بالفعل، لكن ليس بالصورة التي قدمها العمل، ومنها ما كان من محض الخيال.. وهناك فئة عدت أنه كشف النقاب عن الوجه الآخر لأكثر شخصية أثارت جدلا عبر العصور، ويبرز نابليون الرجل الذي هزمه الحب بعد أن كان أسطورة حكمت العالم بحد سيفها وتسلطها وإجرامها اللامتناهي. يظهر الفيلم تناقضا بصريا بين علاقة حميمية جمعت الزوجين (نابليون وجوزفين)، وتصرفات رجل أدى جموحه إلى السلطة إلى مقتل نحو ثلاثة ملايين جندي ومدني. "نابليون" فيلم يجمع ما بين التاريخ والمشاعر والحقائق، ويقدم للمشاهد قيمة فنية غنية بالإمتاع البصري، التي تنقلك من عالم عصري متحضر إلى القرن الـ17 في ساعتين وأكثر من الزمن، وإذا كان مخرج العمل البريطاني ريدلي سكوت، قد أخفق في بعض الحقائق أو قلبها لتتماشى مع فكرة الفيلم غير أنه قدم تصويرا محترفا وإخراجا رائعا ترفع له القبعة، وهذا ليس بجديد على سكوت الذي امتهن أفلام الملاحم ومشاهد المعارك والحركة بأفلامه السابقة، ومنها "مملكة السماء" الذي تناول فترة الحروب الصليبية وانتصارات صلاح الدين الأيوبي. تقييم عام للمرة الأولى سنرى "نابليون" -يؤدي دوره خواكين فينيكس- القائد العظيم والدموي والجبار، شخصا محبا ضعيفا عاشقا ناعما لـ"جوزفين" -تؤدي دورها فانيسا كيربي- رغم دمويته ومعاركه الحربية، ما أدى إلى انقسام الآراء حول الفيلم، فبينما استقبلته وسائل الإعلام البريطانية بكثير من الإشادة والإعجاب، وجدت بعض الصحف الفرنسية أنه لا يرتقي إلى مسيرة إمبراطور بحجم "نابليون". حصل الفيلم على تقييم من خمس نجوم في صحيفة الجارديان عن "مهمة سلاح الفرسان الممتعة للغاية في الفيلم"، وأربع نجوم في صحيفة التايمز عن "الملحمة التاريخية الرائعة" وفي مجلة "إمباير" عن "رؤية سكوت الفنية والمعقولة لنابليون". في الوقت الذي سخرت صحيفة "لوفيجارو" من الفيلم وقالت: إنه يمكن إعادة تسميته بـ"باربي وكين تحت الإمبراطورية"، بينما قالت مجلة "جيه كو" الفرنسية: إن هناك شيئا "مربكا للغاية وغير طبيعي ومضحكا عن غير قصد" في رؤية الجنود الفرنسيين عام 1793 وهم يهتفون "تحيا فرنسا" بلهجة أمريكية. كما انتقد كاتب سيرة نابليون، باتريس جينيفي، في مجلة "لوبوان"، الفيلم وعده إعادة كتابة للتاريخ بطريقة "مناهضة للغاية لفرنسا وداعمة للغاية لبريطانيا". أما بالنسبة لسكوت مخرج العمل الذي يعد نابليون شخصية متناقضة، فهو محترم ومكروه ومحبوب، وهو أكثر شهرة من أي رجل أو زعيم أو سياسي في التاريخ، وهذا ما دفعه بالعودة إلى عصره، وهناك 10400 كتاب تناولت حياة نابليون، لهذا لا يمكن القول إن الفيلم ليس دقيقا من الناحية التاريخية، لم نعاصر هذه الفترة وبالتالي لن نعرفها إلا من خلال قراءاتنا التي تختلف بين وجهة نظر إلى أخرى. فخامة الصورة نجح سكوت في إبداع الصورة والمشهد، وعرفت كاميراته كيف تلتقط الزاوية المناسبة لتخرج صورة غير نمطية عن إمبراطور عسكري، واستطاع تلخيص عمليات استيلاء نابليون على المناطق لبناء إمبراطوريته في ستة مشاهد حربية كبيرة. من بينها أحد أعظم انتصارات الإمبراطور (نابليون)، في معركة أوسترليتز عام 1805، التي شهدت استدراج الجيش الروسي إلى بحيرة جليدية، وهو مشهد صور في مطار خارج لندن، قبل توجيه مدافعه نحوهم. وقال سكوت عن هذا المشهد: "لقطة الزاوية المعاكسة (لقطة معاكسة للقطة السابقة لها بزاوية نحو 180 درجة) لمشهد الأشجار هي المكان الذي صورت فيه فيلم (المصارع) وتمكنت من مزجها رقميا لضبط المقياس والنطاق". لا شك أن الانسجام خلف عدسات الكاميرا وهذه الكيمياء المتناغمة التي ينجح المخرج المبدع في إيجادها تنعكس صورة مختلفة وبراقة على الشاشة وتمنح العمل قيمة إضافية، صحيح أن "نابليون" ليس أول عمل يجمع سكوت بخواكين فينكس الذي قدم معه في السابق فيلم "المصارع"، لكن في هذا العمل ومن خلال تقنيات العمل التي يتبعها سكوت، وجدت حالة من الانسجام والتماهي بين طاقم العمل زاد من رونق الصورة وجمالية المشاهد. يعمد سكوت إلى رسم صورا للمشهد عندما يأتي إلى العمل، كما يصرح معظم العاملين معه، كما أنه يتميز بالانفتاح والتقبل، وهو قادر على الدوران تلقائيا عندما تطرح أفكار جديدة، حتى مع وجود طاقم عمل ضخم وموقع تصوير محتدم بالمدافع. صور فيلم نابليون في 61 يوما فقط، استعان سكوت بما يصل إلى 11 كاميرا في الوقت نفسه، وكان يتحكم في توجيهها من شاحنة مكيفة، وهذا ما يحرر الممثل من الخروج عن المسار والارتجال. كما منح الممثلين الرئيسين الحرية في تجسيد العلاقة غير التقليدية بين نابليون وجوزفين، وهي امرأة تكبره بستة أعوام، طلقها لأنها لم تكن قادرة على إنجاب وريث لعرشه، وتردد اسمها على شفتيه أثناء وفاته في المنفى في جزيرة سانت هيلينا قائلا كلماته الأخيرة: "فرنسا، الجيش، وعلى رأس الجيش، جوزفين". كذلك لجأ سكوت إلى استخدام رواية بضمير المتكلم ليسمع صوت الإمبراطور ويضيف المعلومات التي يتعذر عليه تصويرها بسبب تشتت أمكنة الحروب وامتدادها في الزمن. نابليون وأنف "أبو الهول" هل صحيح أن نابليون هو من أطلق النار بمدفعيته على تمثال "أبو الهول" وأفقده أنفه؟ أم أن الأنف لم ينحت بالأصل؟ قصة أنف "أبو الهول" أثارت جدلا كبيرا خاصة عندما بدأ عرض الفيلم في الصالات المصرية، ولأنه لا يوجد دليل تاريخي قاطع يؤكد أن قوات نابليون أطلقت المدفعية على الأهرامات وأنف "أبو الهول" وكسرته، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، غير أن المخرج عرف كيف يستفيد من هذه الحادثة ويوظفها لخدمة القصة، وقال: "لا أعلم إن كان قد فعل ذلك، لكنها كانت طريقة سريعة للقول إنه سيطر على مصر". استخدم رمزية المشهد لإبراز محطات من ملحمة الأسطورة نابليون بطريقة مختصرة وسريعة. إنتاج ضخم بدأ الجدل عن إنتاج فيلم يجسد حياة الإمبراطور نابليون بونابرت منذ عامين، في الذكرى الـ200 لوفاته، وكان الصراع قائم بين منصة نتفليكس التي اقترحت أن ترمم فيلم المخرج الفرنسي أبل جانس "نابليون 1927"، وشركة أبل التي قررت تمويل فيلم المخرج ريدلي سكوت عن الإمبراطور بميزانية ضخمة. الفيلم يظهر حقبة تاريخية انقرضت، وبالتالي كان المخرج بحاجة إلى بناء استوديوهات وديكورات من جديد، خاصة موضوع اللوحات، حيث استخدم نابليون الرسم في حياته كوسيلة للدعاية، إضافة إلى فريق العمل الضخم، واستخدام المؤثرات الحديثة من أجل تصوير مشاهد الحروب والصراعات، هناك الأزياء الخاصة بتلك الحقبة وكلفتها العالية. احتاج الفيلم كثيرا من المجهود المادي والجسدي حتى يبصر النور على هذا النحو، وكلف إنتاجه ميزانية ضخمة. الإيرادات حقق فيلم "نابليون" إيرادات مفاجئة في شباك التذاكر، أعادت إلى الأذهان الإيرادات الكبيرة التي حققتها أفلام سابقة لـ"سكوت" المعروف بأعماله الملحمية السينمائية التاريخية، ومن المتوقع أن تتخطى إيرادات الفيلم الـ65 مليون دولار، في مفارقة كشفت عنها إحصائيات شباك التذاكر السينمائي وجمهور الفيلم، فقد شكل الذكور ما يقرب من 70% من الجمهور، في حين أن أكثر من نصف مشتري التذاكر كانوا فوق سن الـ35 عاما، بما في ذلك 15% فوق سن الـ55 عاما.

مشاركة :