كنز مهمل

  • 3/26/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يرتبط حضور الأرشيف في الأعمال التلفزيونية بكونه انعكاساً لرؤية المجتمع وتعامله مع مؤسساته على اختلاف أنواعها وأحجامها لهذا الجزء «المهم» من أي مؤسسة. فهو غالباً ما يظهر بصفته مكاناً يُلقى إليه المهمشون، فيتعمق إبعادهم وتهميشهم في هذا المكان الكئيب بالرطوبة والبرودة. هذا الواقع يستمر بالحضور في المعالجات التلفزيونية، على رغم أن المؤسسات الإعلامية والفــضائية يفترض بها أن تكون على درجة عالية من الوعي بأهمية هذا المكان، بل بمركزيته في عمل الفضائيات والوكالات المصورة، ما يفترض بها أن تتصدى له وتـخالفه وتحفر لنقيضه. لماذا نقول ذلك؟ لأن الأرشيف بالنسبة الى الصحافي والمحطات الإخبارية وحتى الفنية والاجتماعية والوثائقية، هو كنز حقيقي (مالياً ومواد بصرية تسمح بجعل أي عمل تلفزيوني أسهل وأعمق وأقل كلفة). فالأرشيف التلفزيوني في عصر قائم على الصورة يفترض أن يكون مكان المبدعين القادرين على استثمار الكنز الدفين لديهم. والأمر يتطلب وعياً مضاعفاً يتأسس على القائمين على المؤسسات الإعلامية ليرصدوا من موازنات مؤسساتهم نسبة للأرشفة البصرية، وثانياً لدى طلبة الإعلام في الجامعات العربية الذين لا نرى في خططهم أي مساق تعليمي خاص بالأرشفة. في فلسطين مثلاً، يبدو موضوع الأرشيف الخاص بتلفزيون وفضائية فلسطين موجعاً، حيث كمية هائلة من المواد المصورة ضاعت هباء بسبب قلة الوعي، وانعدام الموازنات، والاستهداف الإسرائيلي. نقول ذلك ونحن في بقعة جغرافية مهددة بماضيها بمقدار مستقبلها ذاته. وعلى رغم أننا نرى في الأفق تنامي الوعي بأهمية الأرشفة البصرية، إلا أن ذلك يجعلنا نستشعر أثر فقدان الآلاف من الكاسيتات البصرية للأسباب سابقة الذكر. الكنز المهمل يتجاوز مسألة البيع والشراء، بل هو في مثابة تأريخ للمنطقة في لحظات من أصعب ما تكون، كما أننا نرى أهميته في كثرة البرامج التي تلجأ الى مواد مصورة محملة على شبكة الإنترنت، فالأرشفة اللحظية وعلى رغم ما يعتريها من عور وخلل وعدم دقة، أصبحت مصدراً مهماً لإنتاج البرامج التلفزيونية وحتى بعض نشرات الأخبار. على الشاشات اليوم أن تنتبه الى وجود أرشيفين: الأول، مرتبط بما يبث على الشاشة بتفاصيله الكاملة، والثاني بكل المواد التي تتوافر للقناة قبل الانتقاء والبث، والمادة المصورة التي في حوزتي ولا تتوافر فرصة الاستفادة منها هي بالضرورة بالنسبة الى غيري مادة مهمة ودسمة. بالتالي، حفظ ذلك أمر حيوي بمقدار إنتاج المادة البصرية، وكلاهما أمر مكلف ويحتاج الى اختصاصيين قد يعجز عنه بعض المؤسسات والدول اللامبالية، غير أن الخير في الالتفات الى الأرشيف هو أنه يجعلنا نفكر في ما نبث على الشاشة ليس بمنطق اللحظة بل بمنطق التأريخ. فهذا جزء من ذاكرتنا البصرية، بكل ما يستحضر ذلك من أسى أو مجد.

مشاركة :