تعيد لقاءات صحافية وإعلامية مع باحثين إماراتيين في تاريخ الإمارات الحديث والمعاصر بمناسبة اليوم الوطني الخامس والأربعين مسألة توثيق تاريخ الإمارات إلى الواجهة من جديد، حيث الانطباع الأول أن هؤلاء يعتمدون على جهودهم الفردية، فيما يفترض أن هذا عمل مؤسسات، خصوصاً مع إتاحة المراجع عبر مؤسسات ثقافية عريقة في أبوظبي ودبي والشارقة. في الشارقة تشتمل دارة الدكتور سلطان القاسمي على كنوز المخطوطات والمراجع في تاريخ المنطقة، وكذلك مركز الوثائق والدراسات في أبوظبي مشتمل على الأرشيف الوطني، لكن هذا نداء من أجل دعم مؤسسي يقدم لعدد من المواطنين الذين نذروا أعمارهم لجمع ودرس وثائق وتراث الإمارات. الكلام هنا خصوصاً عن تاريخ الدولة الحديث والمعاصر، وهو مبثوث في أعمال نادرة لمؤلفين مواطنين وعرب وأجانب، وفي مقتنيات جمعها مواطنون مهتمون وكأن هذه هوايتهم، فهل من سبيل إلى متابعة هؤلاء من قبل المؤسسات الوطنية المعنية، وبالتالي، دعمهم؟ المشكلة أن هذا يتطلب جهوداً متعاظمة وغير سهلة، خصوصاً مع الإقرار بحالة الإهمال التي تسيّدت هذا الجانب في الدوائر والوزارات والمؤسسات عموماً طوال عقود، فمعظم ما طبعته هذه المؤسسات من كتب وكتيبات ومجلات ودوريات مفقود، ولا توجد مراجع له إلا أرشيفات الصحف التي لا يمكن الاعتماد عليها بصورة كلية لأن ما ينشر منها، كما هو معروف ومعتاد، مقتضب ومختصر، وفي بعض الأحيان تكون التغطية انتقائية وهو الأمر الذي ما زالت معاناته قائمة حتى الآن، حين يهمل بعض وسائل الإعلام هذا النشاط أو ذاك متعمداً، أو يغفله ويغض النظر عنه لأنه لا يقع في دائرة أولوياته. ربما كانت الخطوة الأولى الضرورية اجتماع الأفراد المواطنين المهتمين بتوثيق الأحداث الإماراتية تحت مظلة صيغة قانونية كاجتماعهم مثلاً في جمعية نفع عام تعنى بهذا الغرض، يكون لها نظامها الأساسي المشتمل على طريقة عملها وأهدافها، وتكون لها علاقاتها المتبادلة مع المؤسسة الرسمية نحو التأييد والدعم. خطوة مطلوبة اليوم قبل الغد، حيث يراد حفظ هذا التاريخ من الضياع والنسيان، وحيث الجهود الفردية تقف عند حدود معينة مهما بلغ شغف أصحابها، والنجاح في هذه الميادين، يتطلب، إلى جانب الحماسات والمعنويات، إنفاقاً مادياً قد لا يتحقق، على المستويات الفردية، إلا في نطاقات محدودة. وبمناسبة اليوم الوطني الخامس والأربعين تكلم بعض الإماراتيين بحب كبير عن جهودهم البحثية ومقتنياتهم، كان لسان كل من تابعهم: هذه، في الأصل، مسؤوليات مؤسسات، فأين المؤسسات مطلقاً، وأين المؤسسات عن هؤلاء؟ النقطة المهمة الأخرى أن افتراض أن الإعلام توصل إلى كل هؤلاء افتراض ساذج. طبعاً هناك غيرهم، وطبعاً هناك أولئك الذين يحفظون في صدورهم تراثنا الشفاهي وهم، كما هي العادة، من كبار السن الأعزاء أمد ألله في أعمارهم، فهل يتابعون أم يهملون؟ ابن الديرة ebn-aldeera@alkhaleej.ae
مشاركة :