ملاحظات على هامش العدوان الصهيوني على غزة

  • 12/14/2023
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ظهرت‭ ‬خلافات‭ ‬واضحة‭ ‬بين‭ ‬أقطاب‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬ثار‭ ‬غضب‭ ‬شعبي‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬ذلك‭ ‬الهجوم،‭ ‬رغم‭ ‬حظر‭ ‬التظاهرات‭ ‬والاحتجاجات‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭. ‬ويبدو‭ ‬التناقض‭ ‬جلياً‭ ‬بين‭ ‬مواقف‭ ‬الحكومتين‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬تجاه‭ ‬حيثيات‭ ‬العدوان‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وتفاصيله‭ ‬والرؤى‭ ‬تجاه‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬على‭ ‬انتهائه،‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬اختلافهما‭ ‬حول‭ ‬الهدف‭. ‬فإلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ستؤثر‭ ‬تلك‭ ‬الخلافات،‭ ‬بين‭ ‬أقطاب‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬والتناقضات‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬توجهات‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬الأبرياء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ووصول‭ ‬حالة‭ ‬الدمار‭ ‬للقطاع‭ ‬ومرافقه‭ ‬مستوى‭ ‬غير‭ ‬مشهود،‭ ‬وعلى‭ ‬مستقبل‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟ تظهر‭ ‬الخلافات‭ ‬جلية‭ ‬بين‭ ‬أقطاب‭ ‬حكومة‭ ‬الطوارئ،‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأنداد،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬هجوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭. ‬فلم‭ ‬تختف‭ ‬تماماً‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬نتنياهو‭ ‬ويوآف‭ ‬جالانت‭ ‬وزير‭ ‬الحرب،‭ ‬التي‭ ‬نشبت‭ ‬بينهما‭ ‬قبل‭ ‬أشهر،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬على‭ ‬التعديلات‭ ‬القضائية،‭ ‬والتراجع‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬الإقالة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬تبقى‭ ‬خلافات‭ ‬نتنياهو‭ ‬وجانتس‭ ‬غير‭ ‬خفية،‭ ‬فبرزت‭ ‬قبيل‭ ‬إقرار‭ ‬موازنة‭ ‬الحكومة،‭ ‬وفي‭ ‬هجوم‭ ‬جانتس‭ ‬على‭ ‬نتنياهو‭ ‬عندما‭ ‬حمل‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬ورئيس‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬ورئيس‭ ‬الشاباك‭ ‬مسؤولية‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬هجوم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭. ‬وغضب‭ ‬هيرتسي‭ ‬هاليفي‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بعد‭ ‬تعرضه‭ ‬للتفتيش‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حراس‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬نتنياهو‭ ‬قبيل‭ ‬اجتماع‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحربي‭. ‬واستقال‭ ‬رئيس‭ ‬شعبة‭ ‬ترخيص‭ ‬الأسلحة‭ ‬النارية،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬أوامر‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬بتوزيع‭ ‬السلاح،‭ ‬معتبراً‭ ‬أنها‭ ‬توزع‭ ‬دون‭ ‬معايير‭. ‬واتهم‭ ‬يائير‭ ‬لابيد‭ ‬زعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬نتنياهو،‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬عما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬غزة،‭ ‬ويطالبه‭ ‬بالتنحي‭.‬ كما‭ ‬استمرت‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬خلال‭ ‬الشهرين‭ ‬الماضيين،‭ ‬والتي‭ ‬قادها‭ ‬أهالي‭ ‬المحتجزين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لدى‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬للمطالبة‭ ‬باستعادة‭ ‬أبنائهم،‭ ‬وباستقالة‭ ‬نتنياهو‭. ‬كما‭ ‬يوجه‭ ‬المستوطنون‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬والشمال،‭ ‬بعد‭ ‬نقلهم‭ ‬من‭ ‬المستوطنات،‭ ‬اللوم‭ ‬لحكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬ويتهمونها‭ ‬بالتقصير‭ ‬في‭ ‬حمايتهم،‭ ‬وعدم‭ ‬توفير‭ ‬الأمان‭ ‬لهم‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬يتحد‭ ‬الأنداد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم،‭ ‬رغم‭ ‬الخلافات،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يتراجع‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬للهجوم‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والذي‭ ‬يطالب‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ضغطه‭ ‬لإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬المحتجزين‭.‬ ويميل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬نحو‭ ‬اليمين،‭ ‬خصوصاً‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحل‭ ‬السلمي‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1981‭ ‬دعم‭ ‬36%‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أحزاباً‭ ‬يمينية،‭ ‬وبعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬صنف‭ ‬نصف‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬أنفسهم‭ ‬كيمينيين،‭ ‬ولم‭ ‬تتبدل‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بقيادة‭ ‬إسحاق‭ ‬رابين‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭. ‬وجاء‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بـنتنياهو‭ ‬رئيساً‭ ‬للوزراء،‭ ‬بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬رابين‭. ‬ورغم‭ ‬وصول‭ ‬ايهود‭ ‬باراك‭ ‬الذي‭ ‬يوصف‭ ‬كيساري‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬شعبية‭ ‬اليسار‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬بقاء‭ ‬ميل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عموماً‭ ‬نحو‭ ‬اليمين‭. ‬ورفض‭ ‬باراك‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو،‭ ‬للتفاوض‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬الحل‭ ‬النهائي‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬واضعاً‭ ‬بذلك‭ ‬إرهاصات‭ ‬لانفجار‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية‭. ‬ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬الانتفاضة‭ ‬وينجرف‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬انزلاقاً‭ ‬بشدة‭ ‬نحو‭ ‬اليمين،‭ ‬فيعرف‭ ‬ثلثا‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أنفسهم‭ ‬اليوم‭ ‬كيمينيين،‭ ‬وأخرج‭ ‬المجتمع‭ ‬الانتخابي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬الحكومة‭ ‬الأشد‭ ‬يمينية‭ ‬وتطرفاً‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭.‬ ورغم‭ ‬تراجع‭ ‬شعبية‭ ‬الائتلاف‭ ‬اليميني‭ ‬الحاكم‭ ‬بقيادة‭ ‬نتنياهو‭ ‬بشكل‭ ‬متدرج،‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬صعوده‭ ‬للحكم‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬بعد‭ ‬إعلانه‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬القضائية‭ ‬التي‭ ‬أججت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬40‭ ‬أسبوعاً‭ ‬متتالياً‭ ‬اعتُبرت‭ ‬الأطول‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بالهجوم‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬بالتقصير‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري،‭ ‬وباستثارة‭ ‬غضب‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬نتيجة‭ ‬لسياساتها‭ ‬المتطرفة‭ ‬تجاههم‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬وتشير‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬نتنياهو‭ ‬لشعبيته‭ ‬كرئيس‭ ‬للوزراء،‭ ‬ويعتقد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬نتنياهو‭ ‬الاستقالة،‭ ‬كما‭ ‬تراجعت‭ ‬مكانة‭ ‬الكتلة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وسُجل‭ ‬تراجعٌ‭ ‬في‭ ‬تأييد‭ ‬الليكود،‭ ‬والأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭. ‬وتعطي‭ ‬الأغلبية‭ ‬اليوم‭ ‬ثقتها‭ ‬لـجانتس،‭ ‬الذي‭ ‬يحصد‭ ‬حزبُه‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬ليمين‭ ‬الوسط،‭ ‬ويضم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭ ‬السابقين،‭ ‬حسب‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ضِعف‭ ‬مقاعد‭ ‬الكنيست‭ ‬التي‭ ‬يحصدها‭ ‬الليكود‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جانتس‭ ‬لا‭ ‬يدعم‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬ويرفض‭ ‬صراحة‭ ‬فكرة‭ ‬دولتين‭ ‬لشعبين‭. ‬ويصر‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬استكمال‭ ‬هجومه‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تراجع‭ ‬مكانته‭ ‬وحزبه‭ ‬وتحالفه‭ ‬شعبياً،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬مستقبله‭ ‬الانتخابي‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬العدوان‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافه،‭ ‬وقد‭ ‬يكلفه‭ ‬التراجع‭ ‬خسارة‭ ‬حلفائه‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬أيضاً‭.‬ ورغم‭ ‬التصريحات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتناقضة‭ ‬حول‭ ‬الهجوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭. ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬تبنت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬دعوات‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بخروج‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬سيناء،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬تصريحاتها‭ ‬المعلنة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الرفض‭ ‬العربي‭. ‬الا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشروعًا‭ ‬متداولًا‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬يبحث‭ ‬عملية‭ ‬التهجير‭ ‬تلك‭. ‬ولم‭ ‬تلتزم‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بنصيحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بتجنب‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين،‭ ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الهدنة،‭ ‬وبدء‭ ‬الهجوم‭ ‬تجاه‭ ‬خان‭ ‬يونس،‭ ‬باتت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعتبر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شواهد‭ ‬على‭ ‬تعمد‭ ‬إسرائيل‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭. ‬كما‭ ‬وضعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مطلع‭ ‬الشهر‭ ‬القادم‭ ‬موعداً‭ ‬لنهاية‭ ‬الهجوم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جالانت‭ ‬يؤكد‭ ‬استمراره‭ ‬لأشهر‭. ‬ورغم‭ ‬اعتبار‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدير‭ ‬القطاع‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬يرفض‭ ‬نتنياهو‭ ‬ذلك‭ ‬تجنباً‭ ‬لإنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭. ‬فمن‭ ‬ستسود‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬النهاية؟ ولم‭ ‬تغير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬شراكتها‭ ‬ودعمها‭ ‬اللامحدود‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬خاضتها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتقلت‭ ‬عملية‭ ‬احتضانها‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬وساندت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬و1973‭ ‬و1982‭. ‬كما‭ ‬ساهمت‭ ‬بتقليص‭ ‬خيارات‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬وفصائلها،‭ ‬وتوجيهها‭ ‬نحو‭ ‬الخيار‭ ‬السلمي،‭ ‬الذي‭ ‬ترجم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬مدريد،‭ ‬ثم‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭.‬ واصلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬أجوف‭ ‬تأكيد‭ ‬ضرورة‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬وانتقدت‭ ‬سياسة‭ ‬الاستيطان،‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬مع‭ ‬سياسة‭ ‬فعلية‭ ‬دعمت‭ ‬ممارسات‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬ووقفت‭ ‬ضد‭ ‬صدور‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬لإدانتها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬ولم‭ ‬تحرك‭ ‬ساكناً‭ ‬أمام‭ ‬سياسات‭ ‬إسرائيل‭ ‬الاستيطانية‭ ‬الزاحفة‭ ‬لتغيير‭ ‬بنية‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬جغرافيا‭ ‬وديموغرافيا،‭ ‬وواصلت‭ ‬سياسة‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬واستخدامها‭ ‬في‭ ‬المساومة‭ ‬لتقويض‭ ‬أي‭ ‬انجاز‭ ‬سياسي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬ تتعامل‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬منذ‭ ‬احتلالها‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬أمني‭ ‬لا‭ ‬سياسي،‭ ‬وحتى‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مضمونه‭ ‬لاعتبارات‭ ‬أمنية،‭ ‬فهمش‭ ‬الجانب‭ ‬السياسي‭ ‬منه‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬وتم‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬مكنونه‭ ‬الأمني‭. ‬وكشفت‭ ‬الأيام‭ ‬أن‭ ‬المضمون‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬ينشد‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬لأي‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬غير‭ ‬موجود‭. ‬وتواصل‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬هجومها‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬ارتكاب‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬المجازر،‭ ‬وتدمير‭ ‬ضخم‭ ‬للبيوت‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬والأسواق‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬بدعوى‭ ‬تدمير‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جغرافية‭ ‬محدودة،‭ ‬ومكتظة‭ ‬جداً‭ ‬بالسكان‭ ‬المدنيين،‭ ‬ودون‭ ‬توفير‭ ‬مناطق‭ ‬آمنة،‭ ‬أو‭ ‬السماح‭ ‬بإدخال‭ ‬المواد‭ ‬الطبية‭ ‬والغذائية‭ ‬الكافية‭ ‬للمدنيين،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬السماح‭ ‬بتدخل‭ ‬منظمات‭ ‬دولية‭ ‬إنسانية‭ ‬لإغاثتهم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬هذه‭ ‬العملية،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬أي‭ ‬مظهر‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لمنع‭ ‬عودة‭ ‬المدنيين،‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬المتتالية‭ ‬دون‭ ‬توقف،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬بوضوح‭ ‬مخطط‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭. ‬وتتناقض‭ ‬تصريحات‭ ‬بايدن‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬دعواته‭ ‬لحماية‭ ‬المدنيين،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬واقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬يعكس‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭.‬ في‭ ‬الختام‭ ‬يبدو‭ ‬جلياً‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أمام‭ ‬مجتمع‭ ‬إسرائيلي‭ ‬يميني‭ ‬في‭ ‬توجهاته‭ ‬لا‭ ‬ينشد‭ ‬حلاً‭ ‬سلمياً‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ولا‭ ‬يفرز‭ ‬إلا‭ ‬حكومات‭ ‬تتنافس‭ ‬على‭ ‬حرمان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬حقوقهم‭ ‬التاريخية‭ ‬والقانونية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وأمام‭ ‬نظام‭ ‬أمريكي‭ ‬يتبنى‭ ‬مصلحة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أية‭ ‬تصريحات‭ ‬سياسية‭ ‬جوفاء‭ ‬فارغة‭ ‬تفيد‭ ‬بغير‭ ‬ذلك‭. ‬وأثبت‭ ‬هجوم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتسمح‭ ‬لها‭ ‬بالبقاء‭ ‬هي‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الغربي‭ ‬لها،‭ ‬والذي‭ ‬يعمل‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬فرضها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كقوة‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وإقناع‭ ‬الدول‭ ‬ومساومة‭ ‬الحكومات‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذاك‭ ‬الهدف‭. ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يوجب‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬اليوم‭ ‬التوحد‭ ‬والوقوف‭ ‬صفاً‭ ‬واحداً،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الانتقادات‭ ‬والجدال‭ ‬العقيم،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬العصيبة،‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذا‭ ‬الهجوم‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬لأن‭ ‬خروج‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬المعادلة‭ ‬السياسية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سيفقدها‭ ‬التوازن‭. ‬إن‭ ‬سياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬تثبت‭ ‬أنها‭ ‬طالما‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬حلفائها‭ ‬دولاً‭ ‬وأنظمة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬مصالحها،‭ ‬ومصالح‭ ‬حليفتها،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬مصدر‭ ‬اضطراب‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نوايا‭ ‬ومشاعر‭ ‬إسرائيل‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬والتي‭ ‬يراها‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ولبنان‭ ‬وسورية،‭ ‬تعكس‭ ‬ذات‭ ‬المشاعر‭ ‬تجاه‭ ‬باقي‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭.‬ { كاتبة‭ ‬وباحثة‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :