عندما زار أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة قطاع غزة في 30 أغسطس الفائت، قال: عملت لمدة خمسة عشر عاما رئيسا للمفوضية الدولية للاجئين، لم أر وضعا مأساويا كالذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة. جاءت حكومة رامي الحمد الله إلى غزة، بهدف أولا: كسر الجمود الحاصل الناتج عن سنوات الإنقسام: وثانيا: و الأهم البدء بإجراءات إستلام الوزارات والمؤسسات المدنية و الأمنية وفق برتوكول محدد، خاصة أن رئيس الحكومة د. رامي الحمد الله قال إنه جاهز هو وحكومته لذلك. أربعة أيام عاشها الفلسطينيون في القطاع منتظرين بادرة حسن نية تصدر عن الحكومة، سواء بإرجاع نسبة الخصم التي تتجاوز 30% من الكهرباء، أو عودة الخصومات لرواتب موظفي السلطة الفلسطينية، أو التوريدات لمشافي القطاع والتحويلات الطبية التي أوقف العمل بها بنسبة عالية، تراجع التفاؤل و الأمل ليحل محله القلق، خاصة أن التصريحات التي كانت تصدر عن الحكومة قبل مجيئها إلى غزة كانت تعطي إنطباعا جيدا لنيتها في تقديم الكثير من الإجراءات التي من شأنها تخفيف العبء و المعاناة عن المواطنين. كانت المفاجأة بترحيل كافة القضايا لحوار الفصائل في القاهرة يوم الإثنين القادم التاسع من شهر أكتوبر الحالي. يفهم المواطن تأجيل القضايا الكبرى والشائكة لحوار القاهرة مثل الموظفين والأمن وسلاح المقاومه وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية من الفصائل، ولكنه لايفهم تأجيل خصومات الرواتب والكهرباء و التحويلات الطبية، فكلها إجراءات أتت بعد تشكيل حركة حماس للجنتها الإدارية، في مشهد يمس التمثيل السياسي للفلسطينيين، ويضع قطاع غزة عرضة لسيناريوهات عديدة. حل حماس للجنة الإدارية كان من المفترض أن يتبعه عدة قرارات تلغي كل الإجراءات العقابية التي إتخذتها السلطة ضد غزة. إلتقى رئيس الحكومة د. رامي الحمد الله في غزة بقطاعات واسعه من الفلسطينيين، رجال أعمال، فصائل، منظمات المجتمع المدني و الشباب. وكان يكرر في كل لقاء: لدينا خطط وبرامج لتمكين الحكومة في قطاع غزة وحل كافة المشاكل الإنسانية. هذا كلام جيد ولكن ولإعطاء الغزيين إنطباعا أفضل، كان من الأجدى أن يشرك ويطلع قطاعات المجتمع بهذه الخطط و البرامج ويضع برنامجا زمنيا، خاصة وأن الحكومة ستعمل في منطقة منكوبة، وقبل ذلك يجب أن ندرك أن هناك تكلفة مالية باهظة لإنهاء الإنقسام و الحديث عن إنشاء صندوق دولي من قبل نقولاي ملادينوف المنسق العام للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، يحتاج من السلطه الفلسطينية نشاطا مميزا لتأمين ذلك، خاصة و أن تجاربنا غير مشجعة في هذا المجال. تعامل الوزراء مع طواقم موظفي السلطة الفلسطينية القدامى بشكل غير مهني، وبدون رؤية واضحة لمهامهم في المرحلة المقبلة، وإعتبارهم ليسوا شركاء في الإدارة وصنع القرار و إنما متلقين للأوامر، مما سبب تذمرا و فوضى في اللقاءات ذات الإعداد المتسرع و الشكلي و الخالي من أي مضمون. هذا المشهد عكسه الإعلام بشكل واضح، وكان حاضرا في الكثير من اللقاءات الصحفية و المؤتمرات، فالخطاب الرسمي الفلسطيني “الحكومي” كان غير واضح و مرتبكا فيما يخص قضايا إنهاء الإنقسام، بينما كان خطاب حركة حماس وعلى غير عادته واضحا وحاسما، ووضع السلطة في مربع التساؤل و التشكيك. تصدر المشهد الفلسطيني موضوع سلاح المقاومة في قطاع غزة، خاصة بعد حديث الرئيس أبو مازن للإعلامية لميس الحديدي في لقاء متلفز، “بأن لا سلاح إلا سلاح السلطة في قطاع غزة”.. بدون شك ان هذا الكلام صحيح، إذ أن تعدد مراكز القوى وتعدد السلاح و المليشيات يضع أي مجتمع في الفوضى، وسلطة لا تحتكر القوة لاتحكم و لا تستطيع تنفيذ برنامجها. تجربة قطاع غزة السابقه قبل عام 2007 حاضرة بقوة، فالسلاح أستخدم في معظمه في الصراع الداخلي. وإزاء هذه القضية الحساسة لدى الفصائل الفلسطينية جميعها، فمن الممكن أن تكون هناك حلول تضمن تنظيم السلاح وضبط إستخداماته، وهناك عدة مقترحات منها تشكيل جيش وطني أو شعبي يضم كل التشكيلات المسلحة …… إلخ. والإصرار الرسمي على سحب سلاح المقاومة يضع القطاع عرضة للتجاذبات الخطرة، خاصة و إننا شعب تحت الإحتلال. حماس من جهتا تعاملت مع نتائج زيارة الحكومة إلى قطاع غزة بشئ من ضبط النفس، بالرغم من التصريحات التي صدرت هنا وهناك، لكن في الإطار العام كان هناك إنضباط واضح، وأعتقد أن سبب ذلك يعود إلى رؤية حركة حماس إلى المصالحة، التي تتلخص في التخلص من عبء الحكم في القطاع و إلقائه في وجه السلطة الفلسطينية، والخروج من مشهد العاجز عن تلببة حاجات الناس طيلة أحد عشر عاما عاشها القطاع تحت وطأة الحصار والتراجع في مختلف مناحي الحياة. إدراك حماس المتأخر جدا بصعوبة الجمع بين سلاح المقاومة و الحكم، جعلها تسرع بالتخلي عن الحكم، لأنه عندما تكون في الحكم عليك تلبية حاجات الناس، وهذا مستحيل في منطقه محاصره و فقيرة وعامل الجغرافيا السياسية هو الحاسم في تحديد مستقبلها. خسرت حماس تحالفاتها، بعد أن تراجع مشهد الإسلاميين في المنطقة العربية، وبالتالي كانت وثيقة حماس الأخيرة الإعتراف ببرنامج حل الدولة على أراضي 1967، وإنتقال مركز القيادة إلى القطاع، والتخلص من تدخل الدول الحاضنه لحماس مثل قطر وتركيا. نهاية الإنقسام و إستعادة الحياة الديمقراطية رهن بحوارات الفصائل الفلسطينية في القاهرة يوم الإثنين القادم 9 أكتوبر تاريخ ينتظره الفلسطينيون وكلهم أمل بأن يتحقق حلم راودهم لمدة أحد عشر عاما، والجديد الآن عن الحوارات السابقة هو توفر الإراده عند الجميع، والتجربة الفاشلة لحكم حماس لقطاع غزة، إلى جانب الدور المهم الذي تلعبه مصر، بإستعادة دورها المهم والمحوري بالقضية الفلسطينية، فلا مكان للشيطان في التفاصيل ولا يحتمل الفلسطينيون في القطاع الوضع أكثر من ذلك. الإثنين القادم ساعة الحسم و الحقيقة. * كاتب مقيم في قطاع غزة
مشاركة :