'الإبرة' يقدم قراءة سينمائية عميقة لقضية ثنائية الجنس

  • 12/14/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - ركز المخرج التونسي عبدالحميد بوشناق عدسات كاميراته في أحدث أعماله السينمائية وهو بعنوان "الإبرة" (The Needle) على قضية اجتماعية وإنسانية يعتبرها النقاد من المسكوت عنها في تونس والعالم العربي تتعلق بما يصطلح تسميتها بـ"ثنائية الجنس" وهي أقليات حاملة لتشوه خلقي أو جنسي، أو ما يعتبره البعض اضطرابا في الهوية الجنسية ويراه البعض الآخر ازدواجا جنسيا. وصافح فيلم "الإبرة" عشاق الفن السابع في عرضه ما قبل الأول في السادس من ديسمبر/كانون الأول الحالي، بقاعة عمر الخليفي بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، وذلك بحضور أبطاله. والفيلم من إخراج عبدالحميد بوشناق، وإنتاج شركة شكون للإنتاج بالشراكة مع "الإخوة الكيلاني" وفيصل بالطيور "شركة سينيوايفز أفلام"، وتوزيع شركة "هكّا"، والعمل من بطولة كل من فاطمة صفر، بلال سلاطنيّة، جمال مداني، صباح بوزويته والمنصف العجنقي. وكتب عبدالحميد بوشناق في تدوينة على حسابه بإنستغرام على هامش خروج الفيلم إلى القاعات السينمائية التونسية "عام وأنا بانتظار يوم كهذا! بدون الناس التي أمنت وما زالت تؤمن بي ما كنت قادرا على ذلك!". ولفت إلى أن "إنتاج فيلم مستقل يعتبر معجزة في وقتنا هذا، لكن بفضل فريق كامل كان ذلك ممكننا.. أشكر كل فنان ممثلا كان أو تقنيا!"، مشيرا إلى أن "الفيلم كان في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية 2023 الملغاة! يبقى هذا شرف وفخر لي كمخرج تونسي رغم كل شيء!". وتدور أحدث الفيلم على مدى نحو الساعتين حول قصة زوجين ينتظران مولودهما الأول بعد أربع سنوات من الزواج. ومع قدوم المولود تُعلم الطبيبة الوالديْن أنّ المولود له خصوصية نادرة، فهو يحمل الجنسين الذكر والأنثى، فيدخل الوالدان في خلافات كبيرة بين رفض الأب "دالي" لهذا الرضيع وعدم قبوله للأمر وبين تشبّث شخصّية الأم "مريم" به. وتبدأ أحداث الفيلم بنسق خطي، فلا مفاجآت ولا تغير في مضمون الأحداث سوى أن الحوار يدور بين الوالدين حول المولود الجديد واسمه، كما تبدو العلاقة بينهما متينة للغاية، إلى أن يأتي المولود وتتغير معه طبيعة الأحداث ونسقها، فبعد حالة الصدمة الأولى التي بدت على الزوجين تأخذ الأحداث منعرجا جديدا ويبدأ إيقاع الفيلم في التصاعد، إيقاع أججه الخلاف بين الوالدين حول الاختيار بين جنس المولود "ذكرا" أو "أنثى"، وفي وقت وجيز مدته ثلاثة أيام تحولت العلاقة الزوجية القائمة على الانسجام والتفاهم إلى ما يشبه "الحرب الباردة" بينهما في البيت الذي خيم عليه الحزن والصمت، وساد التوتر والاضطراب بين كلا الشخصيتين في الفيلم. واعتنى مخرج العمل عبدالحميد بوشناق لإبراز هذا الصراع السائد بين "مريم" وزوجها "دالي"، بالصورة السينمائية، فوظف اللقطات القريبة لتكون منسجمة مع نسق الأحداث ولتبرز "السجن" الذي تحول إليه البيت وحالات العزلة والتيه والقلق والحيرة وما أصبحت عليه العائلة بعد الولادة. لقد اختار المخرج توظيف اللقطات القريبة للكاميرا لتقريب الجمهور من الممثلين والاطلاع على باطن الشخصيات انطلاقا من جزئيات دقيقة تتمثل في حركة الشخصية ونظراتها وملامح وجهها. ولكن مشاهد الفيلم لم تبرز حالات الاختناق والحيرة والضياع فحسب لدى الزوج وزوجته اللذيْن دخلا في خلاف حاد، وإنما وضعت المتفرج نفسه يعيش هذه الحالات وهو يتابع أحداث الفيلم، ليجعله مشاركا في التساؤل عن الحلول التي ستلجأ إليها كلّ عائلة تونسية أو عربية تكون موضع الزوجيْن في فيلم "الإبرة ". ولم يكتفِ عبدالحميد بوشناق في هذا الفيلم بإثارة قضية ثنائية الجنس فحسب، بل تناولها أيضا من مقاربات دينية واجتماعية وعلميّة طبيّة، وهي مقاربات أجمعت من خلال أحداث الفيلم أن ثنائية الجنس تشوه جنسي طبيعي ولا بد من تقبّل الموقف والإحاطة بحامليه. ولئن تميّزت أحداث الفيلم ببساطتها، فإن الفيلم كان عميقا في مضمونه وجاء مشبعا بالرموز والدلالات ويدفع المتفرّج إلى التساؤل والتفكير في هذه القضية المحورية المطروحة. وشارك عبدالحميد بوشناق متابعيه عبر حسابه بإنستغرام مقطع فيديو من حديثه لـ"بودكاست اعترافات عميقة" أنه لا يهدف من خلال فيلمه لدعوة إلى تقبل هذه الشريحة من المجتمع، وإنما يطرح قضية أهم تتعلق بأطفال يتم تقرير مصيرهم من قبل والديهم". وأوضح أن الفيلم "لا يضيء على تقرير الوالدين لمصير أبنائهم المهنية هذه المرة، بل المسألة أكبر بكثير من ذلك، إذ أن أب يمكن أن يحول حياة ابنه إلى جحيم لا يطاق يصل حد الانتحار لا لشيء فقط لأنه يخشى نظرة المجتمع ويمكن أن يقال عنه"، مشيرا إلى أن نسبة كبيرة من حاملي ثنائية الجنس يفضلون عندما يكبرون إنهاء حياتهم لأنهم فقدوا القدرة على تحديد هوية جسدهم. ولفت إلى أنه التقى برجل يحمل كل الخصائص الذكورية بدءا من اللحية والهيئة لكنه فاقد للعضو الذكري، لأن عائلته قررت أن يكون بنتا، قائلا إنه لا يحاول من خلال الفيلم تقديم حلول، بقدر ما يريد تقديم خيارات أخرى تحمل أخف الأضرار، وتساعد على إنقاذ الأطفال من هذه الأقليات. وكشف أن "هناك 600 شخص في تونس من حاملي الثنائية الجنسية وهم المصرح عنهم حتى الآن، لأن العدد يمكن أن يتجاوز ذلك بالنظر إلى أن هناك من يفضل التكتم على الأمر". وشدد على أنه "لا يتحدث في عمله السينمائية عن المثلية الجنسية كما قد يذهب في اعتقاد البعض، بل عن حالات تخلق حاملة لعيب خلقي". ويطمح عبدالحميد بوشناق أن يحصل تغيير في القانون، قائلا "أنا في الفيلم أدافع عن الطفولة". وعبدالحميد بوشناق المولد في العام 1984 مخرج أفلام تونسي عُرف بإخراجه لفيلم الرعب "دشرة" الذي عرض في العام 2018، وحظي بإشادة من النقاد وتم اختياره لاحقًا في أسبوع النقاد الدولي في مهرجان البندقية السينمائي، وبعد نجاح الفيلم أخرج الموسم الأول من المسلسل التلفزيوني "نوبة" الذي عُرض على قناة نسمة خلال شهر رمضان 2019، ثم أخرج الموسم الثاني من نفس المسلسل بعنوان "نوبة 2: عشّاق الدنيا" الذي تم بثه في عام 2020.

مشاركة :