حنان أبوالضياء تكتب: إدانة مباشرة للقسوة مع اللاجئين السوريين والأفارقة فى الحد الأخضر

  • 12/22/2023
  • 10:15
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ياسر رشاد - القاهرة - فيلم الحد الأخضر «Green Border The» بمثابة شهادة سينمائية حيوية على ما يحدث فى أوروبا الآن. يصور الفيلم أزمة الهجرة التى بدأت فى أواخر عام 2021 على أعتاب أوروبا، أى على الحدود التى تمتد فيها الغابات بين بولندا، وهى دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وبيلاروسيا، التى لم تنضم للاتحاد. فى تلك الأثناء، اتهمت السلطات البولندية والأوروبية رئيس بيلاروسيا، ألكساندر لوكاشينكو، ببيع تأشيرات سياحية للمهاجرين القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا والباحثين عن طريق للوصول إلى الاتحاد الأوروبى، ومن ثم نقلهم بالحافلات إلى بولندا بغية زعزعة استقرار الاتحاد، من الرائع الاستمتاع بهذا القدر الهائل من الشجن وأنت تشاهد تلك التجربة الغنية للمخرجة البولندية أجنشكيا هولند.. يعرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائى فى دورته السادسة. وفى «Green Border The» تعيش حالة عبء تاريخى مؤلم سيظل مسيطراً على وجدانك حول ما حدث للسوريين الذين حاولوا الذهاب إلى أوروبا بعد ماحدث فى بلدهم، لكن بكل تأكيد ستحمد الله على نعمة مصر التى أحتضنت كل اللاجئين وجعلتهم وسط أولادها. الحدود الخضراء فيلم درامى تم إنتاجه عالميًا فى عام 2023 من إخراج أجنشكيا هولندا، من تأليفها مع جابرييلا لازاركيفيتش - سييتشكو، وماسيج بيسوك، ويشارك فى بطولته طاقم الممثلين الذى يضم: جلال الطويل، وماجا أوستازيفسكا، وبيهى جاناتى أتاى، وتوماس فلوسوك، ومحمد الراشى، وداليا ناوس، وماسيج ستور، وأجاتا كوليزا. مصوراً، محنة المهاجرين العالقين فى أزمة الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبى. الفيلم نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ولكن رفضه المسؤولون الحكوميون البولنديون وبعض شرائح الأمة البولندية الأوسع، لأنه إدانة مباشرة لهم لتعامله بكل تلك القسوة مع اللاجئين السوريين والأفارقة وغيرهم. الفيلم يدور فى الغابات الموحشة والمستنقعات التى تشكل ما يسمى «الحدود الخضراء» بين بيلاروسيا وبولندا، يجد اللاجئون من الشرق الأوسط وأفريقيا الذين يحاولون الوصول إلى الاتحاد الأوروبى أنفسهم عالقين فى أزمة جيوسياسية أثارها الدكتاتور البيلاروسى ألكسندر لوكاشينكو. فى محاولة لاستفزاز أوروبا، يتم إغراء اللاجئين إلى الحدود من خلال الدعاية التى تعدهم بالمرور السهل إلى الاتحاد الأوروبى.  يشير الفيلم بكل قسوة إلى هذه الحرب الخفية، من خلال حياة جوليا، الناشطة الجديدة التى تخلت عن حياتها المريحة، وجان، حارسة الحدود الشابة، وعائلة سورية لاجئة. لقد كان فيلمًا للديكتاتورية غير الإنسانية والبولنديين الذين كانوا يقومون بدوريات على الحدود البيلاروسية البولندية والذين تعاملوا مع اللاجئين العزل ككلاب حراسة بلا روح وكأنهم أداة تنفذ أوامر نظام قمعى عالمى لا يرحم ويتشدق بحقوق الإنسان دون أن ينفذ منها شىء، إنه عار وازدراء لتلك الأكاذيب الأوروبية والعالمية عن حقوق الإنسان, خاصة أن المخرجة هولاند خلال مهرجان البندقية السينمائى أكدت أنها حصلت على مدخلات من ضباط حرس الحدود الفرديين الذين اتصلوا بها دون الكشف عن هويتهم؛ وبالتالى تلك رؤية حقيقية لما حدث على أرض الواقع. جاء هذا الفيلم الذى تضمن مئات الساعات من تحليل الوثائق والمقابلات مع اللاجئين وسكان المناطق الحدودية والناشطين والخبراء، إلى جانب شهادة ضباط مجهولين من حرس الحدود البولندى. لقد عانى هذا العمل العديد من الضغوط المالية التى اضطرت المخرجة إلى الانتظار لمدة عام للقيام بذلك. تقرر أن يتم تصوير الفيلم بالأبيض والأسود، حيث كان يُعتقد أن القيام بذلك سيكون «مجازيًا، ومرتبطًا بطريقة ما بالماضى، الحرب العالمية الثانية، ليشبه الفيلم الوثائقى، كان هناك تحكُّم بصرى وفنى مستوحى من أشخاص حقيقيين فى إطار تم كتابته بشخصيات مؤلفة. وها هى المخرجة الكبيرة فى عمرها 74 عامًا، لم تفقد أيًا من شغفها، أو تعاطفها فقدمت هذه الدراما الوحشية والغاضبة والمرهقة، بالأبيض والأسود الكئيب، مستكملة ما قدم فى فيلم أوروبا فى عام 1990. حول منطقة «الحدود الخضراء» المحظورة بين بولندا وبيلاروسيا، والتى أصبحت الآن موقعًا لمحنة لا تنتهى للاجئين على ما يبدو. رغم ما يقال من أن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو فى السنوات الأخيرة سمح بقبول اللاجئين، وشجعهم للسير على الأقدام عبر الحدود إلى بولندا والاتحاد الأوروبى عبر غابة بياوفيجا، ولكن فقط كوسيلة لمعاقبة وقمع اللاجئين.  لقد قام بتسليح هذه النفوس اليائسة بشكل فعال، كما أن قوات الحدود البولندية المتزايدة الاستياء والعدوانية تتجنب الضرورة البيروقراطية لإطعام وإسكان هؤلاء الوافدين فى المخيمات وترميهم مرة أخرى فوق سياج الأسلاك الشائكة، حيث يعيشون ويموتون فى أرض الغابات القاحلة. إن استراتيجية «الحدود الخضراء» التى تتبناها بيلاروسيا لزعزعة الاستقرار تساعد فى دفع بولندا إلى كراهية الأجانب، وهو على وجه التحديد المزاج الجيوسياسى الذى يجده لوكاشينكو «وبوتين» ملائماً له. تغطى الدراما الهولندية فسيفساء من الأشخاص العالقين فى هذه الرابطة من اليأس والجوع والخوف وسوء النية السياسية: هناك لاجئون من سوريا وأفغانستان وأفريقيا، وحارس حدود بولندى مع زوجة حامل تشعر بالقلق إزاء الوحشية التى يمارسها.  والنتيجة هى فيلم مثير للاهتمام ودراما تعد الغابة موقعًا لصراع محموم من أجل البقاء يعيشه أشخاص تم تجريدهم من إنسانيتهم ​​بالكامل تقريبًا، كما لو كان ذلك بسبب انفجار نووى أو ضربة حرب جرثومية، فعندما يتعثر اللاجئون لأول مرة فى بولندا بسعادة غامرة، معتقدين أن مخاوفهم قد انتهت الآن، يظلون يشعرون وكأنهم بشر. لكن هذا يتآكل بسبب الرعب العبثى الخالص المتمثل فى إجلائهم بوحشية إلى بيلاروسيا ثم إعادتهم إلى بولندا من قبل مجموعتين من الجنود، لا يريد أى منهما تحمُّل مسؤولية التعامل معهم، ذهابًا وإيابًا - وكل ذلك تحت غطاء تلك الغابة، الذى يجعل ظلامه من السهل الإفلات من وحشية الزى الرسمى. عندما تعثر مدرس اللغة الإنجليزية الأفغانية ليلى «بيهى جاناتى أتاى» فى حقل وتطلب الماء من مزارع بولندى، فإنه يُلزمها بل ويعطيها بعض التفاح ويشير إلى مزرعة حيث يمكن الحصول على المزيد من المساعدة. ولكن عندما تستدير وتراه يتصل بشخص ما على هاتفه المحمول، تشعر بالذعر وتجرى عائدة إلى غطاء الغابة بينما ينادى عليها: «انتظرى!» هل كان حقاً يحاول المساعدة؟ أم سيبلغ عنها السلطات؟ فى وقت لاحق، يطلب أحد حرس الحدود البيلاروسى ذى الوجه القاسى من ليلى الحصول على زجاجة مياه بقيمة 50 يورو، تُظهر هولاند أن هذه الاعتداءات التافهة المهينة، إلى جانب العنف الجسدى الحقيقى، تضعف إحساسهم بأنفسهم كبشر. والحراس البيلاروسيون والبولنديون أنفسهم خائفون من بعضهم البعض، ويبدو أن كل الحجج الواقعية ضد اللاجئين قد تلاشت على نحو ما. ومن المعروف أن الحكومة البولندية أقامت منطقة حظر عرضها ثلاثة كيلومترات حول الحدود، ثم نصبت أسلاكاً شائكة بطول خمسة أمتار على مسافة 186 كيلومتراً، كما نشرت الآلاف من الجنود وحرس الحدود لصد المهاجرين وإبعادهم عن الحدود البولندية وإعادتهم إلى بيلاروسيا، إلا أن السلطات البيلاروسية أصدرت هى أيضاً أوامرها لشرطة الحدود حتى تقوم بإجبار المهاجرين على العودة إلى المناطق البولندية. وهكذا بقى أغلب المهاجرين يتعرضون للطرد والصد بين الدولتين طوال أسابيع، بل أشهر فى بعض الأحيان. عملت مجموعة من الناشطين والأهالى على تزويد من تقطعت بهم السبل من المهاجرين بالأغذية والألبسة والأدوية، والمأوى فى بعض الأحيان، إلا أن ذلك لم يمنع من وفاة 50 شخصاً على الأقل، وفقدان مائتى شخص آخرين بين الغابات منذ أن بدأت أزمة الهجرة فى أواخر عام 2021. لقد تجملت المخرجة البولندية توابع الإحساس باليأس وفكرت بجدية فى مآسى المهاجرين، خاصة عندما وصلت الأزمة إلى أعتاب بولندا، شعرت بأن عليها أن تنقل للناس صوت ضحايا الأزمة، وصوت هؤلاء الضحايا، ومنهم حرس الحدود، الذين أجبروا على أن يعيشوا وضعاً مستحيلاً، لذلك أعتقد أن أهم شخصية فى الفيلم هى شخصية الحارس الشاب، والتى جسدها توماسز فلوسوك، والذى شعر بالذنب بعد مشاركته فى عملية صد وحشية، ثم صار يغض الطرف عن المهاجرين الذين اختبأوا فى صندوق سيارة يقودها أحد المهربين. الفيلم يمثل دليلاً قاطعاً على ما حدث، من خزى وكراهية ضد اللاجئين. الغريب أن البولنديين شبهوا مخرجته بجوزيف جوبلز، زعيم الدعاية النازية، وقارنها بالسوفييت والنازيين الذين استعانوا بأفلام الدعاية لتشويه صورة بولندا والشعب البولندى. ووصلت للمخرجة المئات من رسائل التهديد بالقتل. المخرجة، وهى من أصول يهودية، وسبق أن أخرجت ثلاثة أفلام رائعة عن الهولوكوست. وفى الواقع أن البولنديين الذين يساعدون المهاجرين اليوم قد يتعرضون للملاحقة القضائية، وغالبية الشعب البولندى غير مكترث بما يجرى، فى حين أن قلة من الأفراد هم من يمدون يد العون. صور الفيلم خلال ثلاثين يوماً وكان بمثابة تشجيع للمشاهدين على التفكير بطريقة أكثر إنسانية؛ تجاه ما يحدث لأزمة اللاجئين.       

مشاركة :