من المرجح استمرار البنوك المركزية في تطبيق أسعار فائدة أعلى لفترة أطول في الاقتصادات التي تشهد ارتفاعا مزمنا في مستويات التضخم الأساسي "ما عدا أسعار الغذاء والطاقة". وتنذر بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، التي أثارت أخيرا ضغوطا عبر القطاعات المصرفية في عدد من الاقتصادات المتقدمة، بمزيد من الأخطار النظامية. فمن الممكن أن تؤدي إلى تشديد الأوضاع المالية، وإثارة موجة من الضغوط الائتمانية، وتقلص التمويل المتاح للمؤسسات المالية، بما في ذلك في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان. وقد تهدد هذه الضغوط بدورها أرباح البنوك واستعدادها للإقراض، ما ستكون لها تداعيات ملموسة على الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي. في ظل الأخطار المهددة للاستقرار المالي، مثل الاعتماد الكبير على التمويل الخارجي، قد تصبح البنوك في عدد من الدول عرضة للتحولات المفاجئة في مزاج المستثمرين. وفي الدول حيث تحوز جهات الإقراض نصيبا كبيرا من الدين السيادي المحلي، قد تؤدي استطالة فترات أسعار الفائدة الأعلى إلى خسائر، ولا سيما في حال تراجع القيمة السوقية لتلك الديون وانخفاض أسعار الأصول. في أحدث إصداراتنا من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، نتناول تفاصيل أول اختبار تم إجراؤه لقياس قدرة المنطقة ككل على تحمل الضغوط. ويستخدم الاختبار أربعة سيناريوهات لتقييم أخطار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول في دول الأسواق الصاعدة والدول متوسطة الدخل عبر المنطقة واقتصادات مجلس التعاون الخليجي الستة. تشير النتائج إلى أن البنوك عبر معظم دول المنطقة ستتمكن من الصمود في مواجهة سيناريوهات الضغوط الفردية، لكنها قد تصبح على المحك إذا ما اقترن ارتفاع أسعار الفائدة بضغوط على قطاع الشركات والسيولة. وتجدر الإشارة إلى أن البنوك المملوكة للدولة أكثر عرضة للأخطار مقارنة ببنوك القطاع الخاص. ويعزى ذلك إلى تدني الربحية وارتفاع حيازات الأوراق المالية في البنوك المملوكة للدولة، ما يزيد أخطار أسعار الفائدة. يتعذر على عدد قليل من البنوك الالتزام بالحد الأدنى لنسب رأس المال التنظيمي في سيناريو الصدمات المتزامنة. وفي الوقت نفسه، يؤدي انخفاض رأس المال على الأرجح إلى تقلص الإقراض المتاح للقطاع الخاص وتراجع النشاط الاقتصادي، على غرار ما حدث خلال فترات الانكماش الائتماني السابقة. فعلى سبيل المثال، قد ترتفع خسائر الناتج الاقتصادي المعدل لمراعاة التضخم في سيناريو الصدمات المتزامنة لتصل إلى 1.5 في المائة خلال عامين. وتشكل السياسة النقدية أحد العوامل المهمة في الدول، حيث تواجه البنوك المركزية مفاضلات صعبة على مستوى السياسة النقدية في الوقت الذي لا تزال فيه مقاييس التضخم الأساس، التي تستبعد تقلبات أسعار الغذاء والطاقة، أعلى من المستهدف في عديد من الدول. وعند تدني مستويات التضخم، يمكن للبنوك المركزية الاستجابة للضغوط المالية من خلال خفض أسعار الفائدة، ولكن ارتفاع التضخم خلال فترات الضغوط يجبر صناع السياسات على الموازنة بين حماية الاستقرار المالي ومواصلة السيطرة على التضخم. وعلى صناع السياسات إيجاد الأدوات الملائمة للتصدي لاضطرابات القطاع المصرفي التي قد تؤثر في الاستقرار المالي. فيمكن تعزيز إدارة أخطار من خلال تشديد المعايير الاحترازية ـ بما في ذلك تشجيع البنوك على مراكمة رأس المال خلال فترات التوسع الاقتصادي حيث تستطيع الاستمرار في الإقراض خلال فترات الهبوط. وينبغي أن تراعي اختبارات القدرة على تحمل الضغوط مواطن الضعف الناجمة عن حيازات الدين الحكومي لدى البنوك لتعزيز صلابتها في مواجهة الصدمات. وخلال الأعوام القليلة المقبلة، ينبغي أن يواصل صناع السياسات جهودهم لدعم تعميق قاعدة المستثمرين وتنويعها للحد من قوة الرابط بين سلامة الجهاز المصرفي والكيانات السيادية، ولا سيما في حال هيمنة الكيانات المملوكة للدولة على السوق. من الضروري كذلك إيجاد مجموعة من أدوات السيولة الطارئة، مثل الإقراض الطارئ من البنوك المركزية، للقضاء على الضغوط المالية النظامية. غير أن الحكومات عليها التواصل بوضوح للتأكد أن دعم السيولة لا ينظر إليه بوصفه مخالفا لأغراض السياسة النقدية. أخيرا، ينبغي وضع خطط فعالة لتصفية الشركات المتعثرة للحد من الأخطار المهددة للاستقرار المالي والنمو الاقتصادي.
مشاركة :