في الثامن عشر من ديسمبر 2023 أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال زيارته لعدد من دول المنطقة إطلاق عملية بحرية متعددة الجنسيات لحماية التجارة الدولية في البحر الأحمر «حارس الازدهار». جاء ذلك على خلفية زيادة وتيرة الهجمات من جانب الحوثيين على السفن التجارية في مضيق باب المندب والتي بلغت وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية 100 هجوم بطائرات مسيرة، هدف تلك العملية وفقاً لأوستن هو «ضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين» ويضم عشر دول وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا ومملكة البحرين وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشل، قبل ان تقرر بعض الدول الإنسحاب من هذا التحالف. وكما أشرت في مقالات سابقة إذا كانت سمة الاعتماد المتبادل هي الوصف الدقيق للعلاقة بين الممرات المائية البحرية التي تقع في الخليج وتحيط به وهي مضيق باب المندب ومضيق هرمز والبحر الأحمر وقناة السويس فإن الأمر ذاته ينطبق على تأثير تهديدات الملاحة البحرية، فالمسالة لا تتعلق بمجرد تعليق العبور من ممر والانتقال إلى آخر ولكن مضاعفة تكاليف الشحن ورسوم التأمين وكذلك عدم القدرة على نقل البضائع سريعة التلف، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية وجميعها تبعات اقتصادية تزيد من وطأة التحديات الاقتصادية التي لا تزال تعاني منها بعض الدول جراء أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا. قادت الولايات المتحدة تحالفات عديدة في منطقة الشرق الأوسط ولكن هي المرة الثالثة التي تقود تحالفاً بغرض مواجهة تهديدات الأمن البحري، كانت الأولى خلال الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينيات من خلال عملية «الإرادة الجادة» التي استهدفت حماية السفن التجارية في الخليج العربي جراء هجمات طرفي الحرب وهما العراق وإيران وذلك بعد رفع دولة الكويت الأعلام الأمريكية على سفنها طلباً لحمايتها، وبلغت تلك العمليات ذروتها من خلال المواجهة المباشرة بين البحرية الأمريكية ونظيرتها الإيرانية في 17 أبريل 1988 بعد إصابة لغم بحري فرقاطة أمريكية بأضرار بالغة في مياه الخليج العربي فكانت المواجهة لمدة يوم واحد والتي وردت بشأنها تقديرات مختلفة ولكن معظمها يشير إلى أنه تم إغراق نصف الأسطول البحري الإيراني، أما التحالف الثاني فكان في نوفمبر 2019 عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأسيس التحالف البحري العسكري لحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي وضم إلى جانب الولايات المتحدة ست دول وهي: السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا، وهي العملية التي أطلق عليها اسم «سنتينال» واستهدفت عملياتها مياه الخليج العربي مروراً بمضيق هرمز نحو بحر عمان ووصولاً إلى باب المندب في البحر الأحمر، وقد جاء تأسيس ذلك التحالف رداً على الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط في الخليج العربي في عام 2019، أما عملية حارس الازدهار فهي التحالف الثالث الذي تقوده الولايات المتحدة لهذا الغرض مع تحديد أمن الملاحة في البحر الأحمر كمنطقة جغرافية لهذا التحالف. وبغض النظر عن عدد الدول المشاركة في التحالف فإن أمن الملاحة البحرية مسألة تهم جميع الدول وسوف تتضرر حتماً حال عرقلة المرور في تلك الممرات الاستراتيجية وكان لافتاً دعوة السيد جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لإنشاء تحالف دولي لمواجهة أي تعطل لإمدادات الطاقة وذلك خلال إلقاء كلمته أمام حوار المنامة الأمني التاسع عشر. ومع أهمية تحالف الازدهار وخاصة أن الولايات المتحدة لديها خبرات تراكمية في قيادة التحالفات بالإضافة إلى الأصول البحرية التي تمتلكها من خلال الأسطول الأمريكي الخامس ومجموعات العمل البحري التي تعمل من خلاله وهي 150 و151 و152 و153 وتغطي مساحة شاسعة من المياه ولكل منها مهام محددة ولكنها تلتقي عند نقطة واحدة وهي مواجهة تهديدات الأمن البحري وأمن الخليج العربي، فإن هناك قضايا خمس كانت – ولاتزال – محل نقاش بين الباحثين بشأن تحالف الازدهار أولها: طبيعة الإلزام داخل ذلك التحالف، فلم تنشر عنه الكثير من المعلومات حول التزامات الدول للعمل ضمن ذلك التحالف؟، فضلاً عن المدى الزمني لعمل التحالف حيث يعد ذلك التحالف من التحالفات المؤقتة التي سوف تنتهي بانتهاء الهدف الذي أنشئت من أجله، فمن الذي يمكنه تحديد انتهاء المخاطر؟ وخاصة أن تهديدات الأمن البحري ترتبط على نحو وثيق بالأمن الإقليمي، وثانيها: الأعباء المالية التي سوف تتحملها الولايات المتحدة الأمريكية حيث أشارت المصادر إلى أن تكلفة الصاروخ لإسقاط مسيرة حوالي 2 مليون دولار في حين أن ثمن تلك المسيرة لا يتجاوز آلاف الدولارات وذلك تزامناً مع تعليق الكونجرس الأمريكي تقديم 60 مليار دولار مساعدات طلبتها أوكرانيا، وثالثها: حال تطور ذلك التحالف إلى العمل العسكري بصيغة الهجوم بدلاً من الردع وإمكانية ظهور تحالفات مضادة في ظل كون منطقة البحر الأحمر وباب المندب والقرن الإفريقي عموماً نقطة تماس استراتيجي تتقاطع فيها العديد من المصالح الإقليمية والدولية وتعكسها وجود قواعد عسكرية لأطراف ليست بينها مواجهات حتى الآن ولكن ربما يشهد المستقبل أمراً مغايراً، ورابعها: رؤية بعض الدول المشاطئة للبحر الأحمر أن مسؤولية الملاحة فيه هي منوطة بتلك الدول دون غيرها ومن ذلك تصريح السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري «نشترك في المبادئ الخاصة بحرية الملاحة وضرورة الحفاظ عليها بالبحر الأحمر، حيث تضطلع الدول المطلة على البحر الأحمر بمسؤولية في إطار تأمينه»، وخامسها: تردد أو عدم مشاركة منظمات مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في مثل ذلك التحالف بالرغم من خبراتهما بشأن مواجهة تهديدات القرصنة قبالة سواحل الصومال، وكذلك البعثة العسكرية البحرية الأوروبية «إيريني» لتفتيش السفن المشتبه في نقلها أسلحة لأطراف الصراع في ليبيا تطبيقاً لقرار مجلس الأمن، ودور القوات البحرية لحلف الناتو في تفتيش السفن المشتبه فيها في البحر المتوسط من خلال عملية المسعى النشط وكانت أحد ردود الناتو على أحداث 11 سبتمبر 2001، وإذا كان الأمر يرتبط برغبة الاتحاد الأوروبي ألا يكون في مواجهة أطراف إقليمية والحفاظ على مسافة ما، فإن الناتو يحتاج إلى إجماع دوله على المشاركة، فضلاً عن قرار أممي يشير إلى مشاركة المنظمات الإقليمية. النقاش والجدل حول تلك القضايا لم يحسم ولكن ذلك التحالف عكس ثلاث حقائق مهمة الأولى: إن ثمة حاجة إلى فرض احترام الدول لمضامين اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، والثانية: إنه من الصعوبة بمكان القضاء نهائياً على تهديدات الأمن البحري من دون حل الصراعات الإقليمية حيث تجد الجماعات دون الدول ضالتها في البحار كساحة مواجهة مواتية، والثالثة: الحاجة إلى آلية دائمة لتأمين الممرات المائية مع زيادة الاعتماد عليها في التجارة الدولية. { مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
مشاركة :