بغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب بين إسرائيل وحماس، فلا ينبغي لأحد في إسرائيل أن ينسى أبدا كيف دفع نتنياهو خلال فترة حكمه التي دامت لما يقرب من خمسة عشر عاما متتالية إسرائيل إلى حافة الهاوية. وعلى الرغم من إنجازاتها المعجزة منذ تأسيسها في عام 1948، فقد وصلت إسرائيل اليوم إلى الحضيض، ولم يساهم أحد في أحلك فصولها الحالية أكثر من نتنياهو. ومن المؤسف أن نتنياهو، الذي كان من الممكن أن يبرز كواحد من أعظم قادة إسرائيل في نفس المرتبة مع رئيسي الوزراء ديفيد بن غوريون وإسحق رابين، أهدر إنجازاته المبكرة المبهرة في مجالي الاقتصاد والأمن القومي. إن ميوله الأيديولوجية ضد الفلسطينيين، وافتقاره للأمانة الفطرية الموروثة ونهمه الذي لا يُشبع للسلطة أعماه إلى درجة لم يعد قادرا على فهم ما هو الأفضل للبلاد، وبدلا من ذلك وضع مصلحته الذاتية فوق مصلحة الأمة. إن سلسلة سياسات نتنياهو الكارثية وسلوكه الشخصي طويلة ومثيرة جدا للقلق. ونظراً للوضع الحالي في إسرائيل، فإن قيادته المستمرة قد تقود البلاد إلى زقاق أكثر قتامة، حيث لن تتمكن من الخروج منه دون أن تتكبد ضرراً لا يمكن إصلاحه لمستقبلها، هذا في حين يخون نتنياهو السبب الحقيقي وراء وجود إسرائيل. إن نتنياهو متهم بالسلوك السياسي وغير الأخلاقي الفاضح المبين في النقاط أدناه وهي أمور يجب أن يحاسب عليها: تشكيل الحكومة الأكثر تطرفاً شكّل نتنياهو في ديسمبر/كانون الأول 2022 الحكومة المسيانية اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل. عجّلت هذه الحكومة بعزل إسرائيل عن حلفائها حيث قامت بمضايقة وإجبار العديد من الفلسطينيين على الخروج من أراضيهم واستقطاب الجمهور الإسرائيلي وزيادة تهديد أعدائها وإضعاف استعدادها للأمن القومي ومحاولة تجريد السلطة القضائية من صلاحياتها لإنقاذ جلده من التهم الجنائية الثلاث الموجهة إليه. وتضم الحكومة عددًا من الوزراء ذوي السجلات الجنائية، بما في ذلك بن غفير ودرعي اللذين أضر سلوكهما وسياساتهما بإسرائيل أكثر من أي وزير آخر في تاريخ إسرائيل. إخضاع القضاء منذ اليوم الأول الذي شكل فيه نتنياهو حكومته الحالية، بذل كل ذرة من طاقته من أجل “إصلاح السلطة القضائية”، وهو قانون لإخضاع المحكمة العليا للسياسيين المنتخبين، وخاصة السماح لهم بتعيين القضاة. إن السلطة القضائية، وخاصة المحكمة العليا، هي حارسة الديمقراطية في إسرائيل والتي بدونها تستطيع الحكومة أن تفعل ما يحلو لها دون مساءلة، وهو ما يعني في الواقع نهاية الديمقراطية وبداية الاستبداد الذي سعى إليه بقوة. وحتى الآن، نجح نتنياهو في تمرير بند المعقولية الذي يمنع المحكمة العليا من إلغاء أي سياسة حكومية تعتبر غير معقولة. المساس بالأمن القومي ولتبرير استمرار الاحتلال، قام نتنياهو بشكل منهجي بتصوير الفلسطينيين على أنهم عدو عنيد يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل. لقد قام بغسل أدمغة الإسرائيليين ببراعة ليعتقدوا أنه فقط من خلال إدامة الاحتلال يمكن حماية الأمن القومي الإسرائيلي. ولتحقيق هذه الغاية، كان بحاجة إلى الإبقاء على الفلسطينيين كعدو أبدي لتبرير الاحتلال، في حين أن إسرائيل كانت ستكون في الواقع أكثر أمانًا بكثير لو أنهته. وأقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، مما سمح لطهران بالاقتراب من العتبة النووية، الأمر الذي يعرض أمن إسرائيل للخطر أكثر من أي وقت مضى. استقطاب الإسرائيليين ولخدمة أجندته السياسية، قام نتنياهو بالتقرّب من الأحزاب اليمينية والأرثوذكسية المتطرفة بينما قام بتوسيع الانقسام بين الإسرائيليين العلمانيين والحريديم وتكثيف عدم الثقة بين اليهود والعرب الإسرائيليين وزيادة التمييز ضد اليهود السفارديم/المزراحيين وتوسيع نطاق الانقسام بين الأحزاب السياسية مع تقديم معاملة تفضيلية للموالين والمقربين. وللتأكيد، فإن الجمهور الإسرائيلي لم يكن قط منقسمًا بين ميول سياسية مختلفة وخلفيات عرقية كما كان الحال في ظل قيادة نتنياهو. بناء وتوسيع المستوطنات لقد ركز نتنياهو على بناء وتوسيع المستوطنات القائمة وإضفاء الشرعية على المستوطنات غير القانونية لخدمة مخططه لضم جزء كبير من الضفة الغربية ودق مسمار آخر في نعش حل الدولتين. إنه يسمح للمستوطنين بمضايقة الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم الزراعية ويخصص مئات الملايين لحماية المستوطنين بينما يترك المجتمعات الفقيرة داخل إسرائيل لتتعفن. فبالنسبة لنتنياهو، يمثل المستوطنون خط الدفاع الأول ووسيلة مركزية لمنع الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم. تكثيف معاداة السامية على الرغم من أن معاداة السامية موجودة منذ زمن سحيق، إلا أن معاملة نتنياهو الوحشية للفلسطينيين على مرّ السنين في الضفة الغربية ساهمت بشكل كبير في صعود معاداة السامية في السنوات الأخيرة، وخاصة في أعقاب الحرب بين إسرائيل وغزة. إن الاعتقال الإداري للفلسطينيين، وهدم المنازل، والغارات الليلية واسعة النطاق، واستخدام القوة غير المتناسبة لقمع المقاومة العنيفة، في حين يراقب العالم أجمع ذلك، ساهمت بشكل حاد في ارتفاع معاداة السامية. الأحمق فقط من يفترض أن سياسات نتنياهو في الضفة الغربية لم تساعد في تصاعد معاداة السامية التي يعاني منها اليهود في جميع أنحاء العالم. تنفير الولايات المتحدة لم يسبق لأي رئيس وزراء إسرائيلي أن أثار عداوة الإدارات الأميركية المتعاقبة أكثر من نتنياهو. ونظراً لالتزام الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع بالأمن القومي الإسرائيلي، ودعمها السياسي الثابت، والمساعدات العسكرية والمالية الكبيرة التي تقدمها، فمن المثير للصدمة كيف يجرؤ نتنياهو على تحدي الولايات المتحدة وسياستها، وخاصة في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني. وكثيراً ما كان يتدخل في السياسات الداخلية للولايات المتحدة بينما كان يقف علناً إلى جانب الحزب الجمهوري، وينحاز إلى المسيحيين الإنجيليين ويثير استياء الرؤساء الديمقراطيين. لقد وجد نسخة مطابقة له بترامب المختل والفاسد أخلاقياً الذي تخلى عن القيم الأميركية التي تشكل حجر الأساس للعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إن الكلمة العبرية “chutzpah” (التي تترجم تقريباً إلى الجرأة الوقحة) تنطبق على نتنياهو أكثر من أي شخص آخر، وخاصة فيما يتعلق بالولايات المتحدة. ففي وقت سابق من هذا العام صّرح نتنياهو أن “إسرائيل دولة ذات سيادة وتتخذ قراراتها بإرادة شعبها وليس بناء على ضغوط من الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء”، وهو ما يمثل قمة الجرأة الوقحة. تعزيز قوة حماس كانت سياسة نتنياهو المتمثلة في تأليب حماس ضد السلطة الفلسطينية، والعكس، استراتيجية خطيرة للغاية. لقد سمح بتحويل مئات الملايين من الدولارات من قطر إلى حماس لأنه أراد عمدا تعزيز حماس وإضعاف السلطة الفلسطينية لمنع إقامة دولة فلسطينية. وقال لمشرعي الليكود في عام 2019 إن “كل من يعارض الدولة الفلسطينية يجب أن يكون كذلك”، أي بجانب تمويل قطر لحماس. إن سوء تقييمه المأساوي لقدرات حماس ونواياها، معتقدًا أن السلطة الفلسطينية عائق وأن حماس مصدر قوة، وثقته في غير محلها بأنه يسيطر بشكل كامل على غزة وأن حماس غير قادرة على القيام بهجوم واسع النطاق ضد إسرائيل كان إهمالاً مأساويًا، خاصة في ضوء التحذيرات العديدة التي أطلقها جنود المراقبة في جيش الدفاع الإسرائيلي. إن انشغال نتنياهو الشديد بـ«الإصلاحات القضائية» والتهم الجنائية الموجهة إليه وإعادة تكليفه بعض القوات الإسرائيلية المكلفة بحماية المجتمعات الإسرائيلية المتاخمة لغزة إلى الضفة الغربية، مكّن حماس من ارتكاب أعمالها الوحشية ضد الإسرائيلي، الأمر الذي لم يعتذر نتنياهو عنه أبدًا. التلاعب بالمشهد السياسي لم يتلاعب أي زعيم إسرائيلي بالمشهد السياسي ببراعة للبقاء في السلطة مثل نتنياهو. إنه يتواطأ بانتظام مع القادة السياسيين من داخل حكومته أو خارجها لتعزيز مصالحه السياسية. فهو غالباً ما يتراجع عن الوعود التي قطعها، حتى لشركائه في الائتلاف، فقط من أجل مواصلة مخططاته للبقاء في السلطة. فهو، مثل المستبد، يتحكم في الأجندة الوطنية بحيث لا يتجاوزه أي شيء. إنه يستخدم كل الحيل البرلمانية لتحقيق مراده بينما يُزعم أنه يتبع أوامر زوجته سارة حول كيفية تهميش منافسيه السياسيين ومعاقبة خصومه. أجل، إن التلاعب السياسي ونتنياهو أصبحا مترادفين. إنفار يهود العالم ورغم أن إسرائيل أنشئت لاحتضان اليهود من كل ركن من أركان العالم وتوفير وطن وملجأ لأي يهودي ليعيش بحرية في سلام وأمن بغض النظر عن ميوله السياسية أو انتمائه الديني أو بلده الأصلي، فإن نتنياهو خان كل ذلك. إن سياسته المتمثلة في الانحياز إلى المؤسسات الحاخامية لمنع صلاة النساء عند حائط المبكى، ومعاملته الوحشية للفلسطينيين، وفرض القوانين الدينية على اليهود العلمانيين/الإصلاحيين، أدت إلى نفور يهود العالم بشكل كبير. لقد تدهورت العلاقة التكميلية المتبادلة بين إسرائيل ويهود العالم تحت قيادة نتنياهو إلى مستوى لم يسبق له مثيل منذ إنشاء إسرائيل. الفساد إن فساد نتنياهو السياسي والشخصي هو السمة التي تميزه. لا يزال يواجه العديد من تهم الفساد، بما في ذلك الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، مما يثير تساؤلات جدية حول أخلاقيات قيادته ومصداقيته. لقد بذل جهوداً كبيرة، جزئياً على الأقل، من أجل “إصلاح” السلطة القضائية لتخليص نفسه من التهم الجنائية الموجهة إليه. وغالباً ما يتصرف نتنياهو مثل زعيم المافيا ويأمر قتلته بالقيام بعمله القذر. إنه يكافئ أصدقائه المخلصين بسخاء ولا يخجل أبدًا من استبعاد أي شخص يختلف معه. إن مراوغته شائعة، وقليل جدًا من الناس يأخذون كلمته كأمر مسلم به. لقد أصبحت تصريحات نتنياهو وأكاذيبه المضللة هي السمة المميزة له. تحدي المجتمع الدولي وفي عهد نتنياهو عارضت إسرائيل باستمرار الجهود الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وتحدت تقريبا كل قرارات الأمم المتحدة، سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، التي تنتقد إسرائيل. لقد تسبب نتنياهو في توتر علاقات إسرائيل مع المجتمع الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي. وفي تحدٍ للولايات المتحدة، حاول التقرب من بوتين الروسي ورفض تقديم المساعدة لأوكرانيا في جهودها الحربية ضد روسيا. وتمكن من دعوته إلى الصين للإشارة إلى الرئيس بايدن بأنه يمكنه دائمًا اللجوء إلى خصم الولايات المتحدة. إن سلوكه القذر على الساحة الدولية، متنقلا من عاصمة أوروبية إلى أخرى، جعله يبدو وكأنه بائع سلع مستعملة يحاول التفوق على عملائه المحتملين. كتابة أحلك فصل في تاريخ إسرائيل من المحزن أكثر أن نتنياهو الذي قاد إسرائيل لما يقرب من 15 عاما متتالية وكان بوسعه أن يترك المشهد السياسي بكل فخر بينما يترك وراءه إنجازات ملحوظة، يجب عليه الآن أن يغادر مكتبه في خزي. لقد كتب أحلك فصل في تاريخ إسرائيل من خلال تشكيل حكومته الفاشية الحالية التي كانت مستعدة لتدمير ديمقراطية إسرائيل ومن خلال التسبب في انهيار الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل منذ إنشاء إسرائيل. إن دماء الـ 1200 إسرائيلي الذين قتلتهم حماس بوحشية، ودماء عشرات الآلاف من النساء والأطفال الفلسطينيين الذين دفنوا تحت أنقاض غزة، ملطخة يديه. لقد فقد نتنياهو مصداقيته وشرعيته لقيادة البلاد، خاصة في زمن أزمة لا مثيل لها، بسبب تقصيره في أداء الواجب وسياساته المضللة وشخصيته المنهمكة في ذاته ويأسه من التشبث بالسلطة لإنقاذ نفسه. وهو يريد حقا النصر المحتمل ضد حماس من خلال الادعاء بأن “هذه هي حرب استقلالنا الثانية” و”هذه هي مهمة حياتنا وحياتي”. ولأي حد يمكن أن يكون نتنياهو مغروراً بذاته بشكل مثير للشفقة في جهوده الرامية إلى الاستفادة بشكل مخجل من أكبر كارثة شهدتها إسرائيل؟ أنا لا أتفق مع أولئك الذين يزعمون أنه نظراً للحرب المكثفة ضد حماس والخوف من المجهول الذي يجتاح المنطقة، هذا ليس الوقت المناسب لإجبار نتنياهو على ترك منصبه. على العكس من ذلك، أصر على أن هذا هو الوقت المناسب لإجباره على الاستقالة لكل الأسباب المذكورة أعلاه وغيرها. ولا بد من إجباره على ترك منصبه الآن لمنعه من التلاعب بسير الحرب أو حتى إطالة أمدها لتغطية أخطائه القاتلة والظهور وكأنه “بطل حرب” في حين أنه ليس سوى جبان منغمس في نفسه وغشاش. إذا كان لدى نتنياهو ما زال ذرة من الكرامة، فعليه أن يستقيل قبل أن يُجبر على ترك منصبه في خزي تامّ.
مشاركة :