تمكنت سوريا في عام 2023 المنتهي من استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية بعد 12 عاما من العزلة السياسية لتبدأ مرحلة جديدة في علاقاتها الإقليمية والدولية شهدت الإعلان عن إقامة "شراكة إستراتيجية" مع الصين، وذلك في ظل هدوء حذر على جبهات القتال داخل البلاد عكر صفوه هجمات محدودة للتنظيمات المسلحة وقصف إسرائيلي متكرر على سوريا. وقبيل العودة للجامعة العربية تعرضت سوريا في السادس من فبراير الماضي لزلزال مدمر أدى إلى مقتل 1414 شخصا وإصابة 2357 آخرين بجروح وأضرار مادية ضخمة في بعض محافظات البلاد، لكنه قاد أيضا في المقابل إلى فتح نافذة إنسانية أسهمت لحد ما في تسريع وتيرة فك العزلة العربية عن سوريا. ورغم تداعيات الزلزال بسبب العقوبات الأمريكية، إذ وجدت سوريا نفسها في مأزق في كيفية التعامل مع الزلزال في ظل عدم وجود آليات لإخراج الضحايا والمفقودين من تحت الأنقاض ونقص في الأدوية لمعالجة الجرحى وصعوبة في تأمين منازل للمتضررين، إلا أن الزلزال المدمر ساهم في كسر الجليد في العلاقات بين سوريا والدول العربية وخلق ما يسمى بـ"دبلوماسية الكوارث". ولأول مرة منذ القطيعة هبطت طائرات سعودية في المطارات السورية لتوصيل مساعدات إغاثية لضحايا الزلزال، كما زار وزير الخارجية المصري سامح شكري سوريا بعد الزلزال لأول مرة منذ 12 عاما، وأعرب عن دعم بلاده لسوريا. ــ عودة سوريا للحضن العربي في السابع من مايو الماضي قرر مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في اجتماع طارئ بالقاهرة استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، لتستعيد سوريا مقعدها بعد تعليق لعضويتها دام منذ 12 نوفمبر من العام 2011. وتوج فك العزلة السياسية عن سوريا بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في أعمال الدورة الثانية والثلاثين للقمة العربية في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في مايو الماضي بعد استئناف العلاقات بين دمشق والرياض في ظل انفتاح عربي على عودة العلاقات مع دمشق بعد سنوات من القطيعة. ومنذ أواخر العام الماضي بدأت رياح التغيير تهب على المنطقة بموجة من الأنشطة الدبلوماسية النشطة لإعادة سوريا إلى الحظيرة العربية، وغيرت دول الخليج خطابها تجاه سوريا بعد سنوات من قطع العلاقات مع دمشق. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول التي بذلت جهودا لكسر الجليد بين دمشق والدول العربية خاصة السعودية. وقال الخبير والمحلل السياسي السوري أسامة دنورة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وعودة العلاقات إلى طبيعتها مع العديد من الدول العربية يمثل انزياحا مهما جدا في المشهد العربي". ورأى أن هذا الأمر كان ضروريا ومتوقعا، معتبرا أن الوساطة الصينية في المصالحة بين السعودية وإيران عملت على تفكيك أحد الألغام الهامة في منطقة الشرق الأوسط وكان لها انعكاس كبير على بعض ملفات المنطقة. وأوضح دنورة أن عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل الحرب في سوريا "بحاجة إلى عمل وتراكم في الجهد الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وبحاجة إلى مساحة أكبر من القرار العربي العربي بعيدا عن الإملاءات والضغوط الأمريكية". وقال الكاتب والمحلل السياسي السوري محمد العمري إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية شكلت انعطافة في مسار تطور العلاقات العربية مع سوريا وإعادتها إلى السكة الصحيحة بعد فترة من التوترات، لكنها ما زالت تواجه العديد من العراقيل والتحديات، من أبزرها الإرادة الأمريكية الرافضة لمثل هذه العودة، وتداعيات هذه العودة على الوضع الاقتصادي في الداخل السوري. ــ إقامة شراكة إستراتيجية بين سوريا والصين وبعد خمسة أشهر من عودة سوريا إلى الجامعة العربية، قام الرئيس السوري بزيارة إلى الصين في سبتمبر الماضي، هي الأولى له منذ نحو عقدين. ورغم أن الزيارة كانت لحضور مراسم افتتاح دورة الألعاب الآسيوية الـ19 في مدينة هانغتشو، حاضرة مقاطعة تشجيانغ بشرقي الصين، لكنها جاءت في إطار عودة الأسد إلى الساحة الدولية بعد عزلة فرضها عليه الغرب، وكانت هامة على الصعيدين السياسي والاقتصادي وأسست لمرحلة جديدة، وفق خبراء. وخلال الزيارة أعلن الرئيسان الصيني والسوري بشكل مشترك عن إقامة شراكة استراتيجية بين بلديهما. وقال الرئيس شي إن إقامة الشراكة الاستراتيجية ستكون علامة فارقة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية، وأكد أن الصين ستواصل العمل مع سوريا لدعم بعضهما البعض بقوة في القضايا المتعلقة بالمصالح الأساسية والشواغل الكبرى لكلا الجانبين، وحماية المصالح المشتركة للبلدين والدول النامية الأخرى، والتمسك بالنزاهة والعدالة على الصعيد الدولي. وقال الخبير السوري دنورة إن زيارة الرئيس السوري إلى الصين "هامة وتؤسس لمرحلة جديدة"، موضحا أن "الصين هي الفاعل الاقتصادي الأول في العالم، وبالتالي هذه الشراكة وجدت لكي تبقى وتتعزز، وهي خيار استراتيجي". وتابع أن ميزة العلاقات الاقتصادية والشراكة الاستراتيجية مع الصين أنها تتجنب الخليط المتفجر ما بين الاقتصاد والسياسة، بمعنى أن الصين لا تمارس الضغط الاقتصادي وسياسة العقوبات والحصار كواحدة من الأدوات التي تستخدم في السياسة ولم تجر العادة أن تتدخل الصين في الشؤون الداخلية للدول. واعتبر دنورة أن توقيع هذه الشراكة تطور هام في المشهد السوري ونافذة أمل واسعة جدا يمكن استثمارها تدريجيا والبناء عليها للخروج من حالة الضغط الاقتصادي الخانق التي تسبب بها الأمريكان عن طريق قانون قيصر والعقوبات المفروضة من جانب واحد على الدولة السورية. ــ هدوء حذر في جبهات القتال وهجمات إسرائيلية لعب تحسن المناخ السياسي في علاقة سوريا بمحيطها العربي والإقليمي دورا إيجابيا في أن يسود هدوء حذر جبهات القتال في سوريا، بعدما كان عام 2018 عاما حاسما في العمليات العسكرية، حيث تمكن الجيش السوري بمساندة روسية من استعادة مساحات كبيرة من الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيمات المسلحة، خاصة تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا). لكن لم يخل الأمر من هجوم هنا أو هناك من قبل تنظيمات مسلحة على مواقع للجيش السوري. ووقع أبرز هذه الهجمات في شهر أكتوبر الماضي عندما شنت تنظيمات مسلحة هجوما بطائرات مسيرة على مقر الكلية الحربية بحمص وسط سوريا خلال حفل تخرج، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. كما عكر صفو هذا الهدوء قصف إسرائيلي متكرر على أهداف داخل سوريا زادت وتيرته بعد نشوب الحرب في قطاع غزة وتركز على المطارات في دمشق وحلب، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة عدة مرات. وقال الخبير السوري دنورة إن تحسن الأجواء السياسية سواء في العلاقات العربية ـ العربية أو بين سوريا والدول العربية، وتحسن الأجواء الإقليمية ساهم بتراجع حدة الاشتباكات العسكرية. وفيما يخص القصف الإسرائيلي المتكرر على سوريا، قال دنورة إنه "في الأشهر الأخيرة بدا واضحا أن الطرف الإسرائيلي من أشد أسباب الاضطراب الأمني على مستوى المنطقة، وحتى بطريقة قد تكون عابرة للجغرافيا"، مضيفا أنه "يجب أن تكون هناك آلية دولية تقوم بضبط الرعونة الإسرائيلية".
مشاركة :