ضرب الإرهابيون بروكسل، قلب أوروبا، هذه المرة. لقد استهدفوا هذه المدينة الحرة، حيث الفكاهة والوقاحة تشكلان طابعًا للطريقة البلجيكية حتى لا تحمل نفسك على محمل الجد، وهو عكس ما يحمله هؤلاء البرابرة في عقولهم من يقين رخيص وكراهية تجاه الآخرين وعنف تجاه «الأنقياء». إن الخليط القاتل من هذه الأفكار المحركة لهؤلاء المتطرفين من أصل أوروبي هو النقيض التام لما تمثّله بروكسل، عاصمة المشروع الأوروبي الذي كان هدفًا رمزيًا لهذا الإرهاب. في كل مرة، يباغتنا هذا العنف غير الأعمى تمامًا. لا ينبغي أن يحدث ذلك. بعد هجمات مدريد، وبعد لندن، وبعد باريس، مرتيْن، والآن بروكسل، ندرك أننا لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن الإرهاب انفجر هنا ليبقى. وعندما نقول ذلك، فإننا لا نرتدي ثوب التشاؤم أو التكهن. فالحقيقة التي يجب أن نواجهها هي أن المعركة ضد المتطرفين ستكون طويلة. لا نقصد بهذا التقييم توجيه حملة تشويه ضد عمل أجهزة الشرطة أو الاستخبارات. فكل خلية إرهابية تم تفكيكها وكل اعتقال، مثل اعتقال صلاح عبدالسلام في بروكسل الأسبوع الماضي، يمثل شعورًا طبيعيًا واحدًا للإغاثة. وتكمن قوة المجتمعات الديمقراطية في قدرتها على المضي قدما كما حدث «من قبل». من هذا المنطلق، فإنهم يحبطون طموحات المتطرفين لإثارة هجمات انتقامية ضد مسلمي أوروبا وإنشاء أكبر عدد ممكن من الحروب الأهلية المصغرة في أوروبا. برغم ذلك، لا ينبغي لنا أن نتذرع بالأوهام. سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا، ربما سنوات، قبل أن نلحق الهزيمة بالإرهاب. في الديمقراطيات الصحية، يجب على القادة السياسيين والحكومات قول الحقيقة كما هي. إنهم لا يفعلون ذلك، وبالتالي يخبئون جزءًا من الحقيقة. الإجابات السهلة بمثابة أكاذيب لا توجد وصفة سحرية ولا حل سهل، وهما أمران اعتدنا على وجودهما في مجتمعاتنا المتعجلة التي يحركها الاستهلاك. وكل الأشخاص الذين يسيرون في ركاب الأحزاب والمرشحين المحتجين- بدءًا من الجبهة الوطنية هنا في فرنسا إلى دونالد ترامب في أمريكا، وغيرهم- ممن يدعون خلاف ذلك كذابون غير مسؤولين. إنهم يلعبون بآلام الضحايا. والقول بأن الغرب لا يحتاج سوى تدمير المدن التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق وتسويتها بالأرض بالقنابل قول سخيف، حيث لن يؤدي ذلك إلا لتفريخ المزيد من الارهابيين المحتملين. والقول بأننا لسنا بحاجة سوى إغلاق الحدود داخل الاتحاد الأوروبي لوضع حد للتطرف الأوروبي، كما صرحت زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية مارين لوبان، مجرد خدعة ساذجة. لقد كانت الأسلحة والمتفجرات تنتشر في بلادنا لفترة طويلة، بينما يتم توزيع أدلة المستخدم الخاصة بها على شبكة الإنترنت. نحن لسنا بحاجة إلى أي من بائعي الأوهام في هذه المعركة الجارية. علينا أن نعترف بدلًا من ذلك بتعقّد الوضع على مستوييْن: أولًا، قام تنظيم «داعش» على أي حال بتطوير شبكات لوجستية متطورة داخل أوروبا، بهدف تنفيذ هجمات متزامنة في مدن أوروبية مختلفة. وتتطلب هذه المعركة بدون أي تهاون زيادة الوسائل التي تعمل بها الشرطة والمخابرات. وتتطلب الكفاءة تعزيز التنسيق على المستوى الأوروبي. وللأسف، فإن الاتحاد غير قادر على التوحد في مواجهة مأساة المهاجرين، ويشهد حالة من التراجع مما يجعله أكثر عرضة للخطر. لكن على الرغم من أن التطرف الأوروبي ينبغ من أسباب ذاتية المنشأ، تغذيه حالة الفوضى في الشرق الأوسط أيضًا. ولإخماد الإرهاب في الداخل، فإننا بحاجة إلى حل المآسي السورية والعراقية. مرة أخرى، قد يستغرق هذا الحل سنوات. مرة أخرى، على الرغم من أن الغرب يتحمل جزءًا من اللوم لهذه المشاكل الجارية، فلا وجود لأوروبا لإصلاح تلك المشكلات، فهي ليست لاعبًا فاعلًا مع الولايات المتحدة وروسيا. وتتضح عدم أهليتها في افتقارها إلى رؤية استراتيجية، في منطقة الشرق الأوسط وأماكن أخرى. وهذا يضيف أيضًا إلى نقاط ضعفها. بالنسبة للقارة الأوروبية، المعركة ضد الإرهاب تعني مواجهة الحقيقة أولًا.
مشاركة :