رغم أن عنوان المقال يبدو تعيسا؛ لكنه في الواقع أهم مفتاح من مفاتيح السعادة الذي يجهله كثير من الناس، ودلالة هذا القول المأثور هو أن الإنسان كثيرا ما يكون مفتقرا للمنظور الذي يقدر الأمور بقدرها الحقيقي والموضوعي، ولهذا الأمر الذي يتعسه مثل: عدم موافقة الوالدين على أمر كان يرغب يوما ما فيه وعندما يفقد الوالدين سيبكي حنيا إلى ذلك اليوم الذي بكى فيه من والديه، ولو استحضر الإنسان المنظور الكامن بهذا القول المأثور سيمكنه أن يصبح أقل سلبية وأكثر إيجابية وموضوعية وامتنانا لله ثم للناس. وسبب أساسي لندم الناس في النصف الثاني من حياتهم هو أنهم لم يكونوا مقدرين للنعم التي كانوا فيها في النصف الأول من حياتهم، مثل من يندم على جفوته مع والديه في مطلع حياته وعدم إظهاره للامتنان لكل تفانيهما في سبيل إسعاده، ومن قبيله المثل القائل «إن أسوأ يوم تمر به هناك كثيرون يتمنونه» لدرجة أنه حتى في أسوأ يوم يعيشه الإنسان فهو مغمور بالنعم مثل نعمة أنه يمكنه الحصول على الماء الصالح للشرب من فتح صنبور الماء، بينما ملايين الناس يمشون يوميا لساعات للوصول إلى مصدر ماء شحيح ملوث ومليء بالأمراض. هناك كثير من الدراسات العلمية الغربية التي ربطت بين الشعور بالامتنان على النعم والسعادة بخاصة دراسات هؤلاء العلماء المختصين بعلم النفس Robert Emmons و Michael McCullough و Martin Seligman. الامتنان هو توجيه الإنسان وعيه وانتباهه للأمور الإيجابية بحياته، بينما في الأحوال العادية انتباه الإنسان غالبا ما يكون منصبا بشكل أكبر وغير واع على الأمور السلبية في حياته مما يجعله يقيم حياته بشكل سلبي وإن كانت السلبيات فعليا في حياته أقل من الإيجابيات، لكنه لا يستحضر الإيجابيات؛ ولذا لا يكون لها أثر على زيادة سعادته. أثبتت دراسات العلماء أن الامتنان له تأثير إيجابي أيضا على الصحة العضوية وتطويل معدل عمر الإنسان، وتقليل فرص الأمراض الناتجة عن فرط التوتر والتعاسة مثل أمراض القلب والشرايين والأمراض النفس جسدية - سيكوسوماتيك»، وهي الأمراض الجسدية التي سببها نفسي وليس عضويا، وبينت صور أشعة الدماغ أن التمرس في الامتنان حرفيا يغير خريطة عمل الدماغ بشكل يحسن من الصحة النفسية والعقلية على المديين القصير والبعيد. كما أن الامتنان يحسن ويقوي العلاقات الشخصية والعائلية من وجهين؛ الأول عبر تقوية المشاعر الإيجابية لدى الطرف الآخر بشكره والامتنان له، ومن وجه آخر لأن الامتنان يجعل شخصية الإنسان أكثر إيجابية وهذا يحبب الناس به، فلا أحد يحب الإنسان السلبي الذي كل كلامه تشكي وتململ وتذمر وتحسر، فالكلام معه يشعر الآخرين بالتعاسة. من ممارسات الامتنان التي ينصح بها العلماء؛ أن تستحضر نعم الله وتقدم الشكر والحمد عليها. قدم عبارات شكر وتقدير لكل من تتذكر أنه أسدى إليك فعلا طيبا ولو كان كلمة طيبة أو ابتسامة شرحت صدرك، اكتب مذكرات عن كل النعم المادية والمعنوية التي في حياتك، حدث الآخرين عن النعم التي أنعم الله بها عليك من باب تشجيعهم وليس من باب التفاخر عليهم مثل أن تحدثهم عن الدعوات التي استجابها الله لك، وحقق لك فيها مرادك لتقوية أملهم وإيمانهم ويقينهم بأثر الدعاء وهو أمر مأمور به الإنسان (وأما بنعمة ربك فحدث) {الضحى/11}. وهو يخالف النمط السائد من التخوف من إخبار الناس بالنعم خوفا من العين والحسد وفي هذا النمط مخالفة لأمر الله ولو كان هناك ضرر من إخبار الناس بالنعم على وجه إظهار الامتنان لله وتشجيع الناس لما أمر الله به.
مشاركة :