أيدت محكمة الاستئناف الجنائية العليا عقوبة السجن المؤبد على المتهم بقتل فتاة سند في تهمة القتل العمد، فيما كانت محكمة اول درجة استبعدت ظرف سبق الإصرار لأنها ترى عدم توافر سبق الإصرار بحق المتهمل كون سبق الإصرار في جريمة القتل حسبما هو مستقر يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال، مما يقضي بالهدوء والروية قبل ارتكابها. وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إنها تهيب بالمشرع تماشيا مع الشريعة الإسلامية الغراء التي جعلت القصاص حدا واجبا لجريمة القتل العمد في كل حالاته وإن لم يتوافر فيها ظرف مشدد بتعديل المادة وجعل عقوبتها الاعدام أو جعله تخييريا مع قوة السجن المؤبد بما يسمح للقاضي بتطبيقه على جرائم القتل التي لا تقل بشاعة وأثرا موجعا عن تلك المصحوبة بظرف من الظروف المشددة. وأضافت أنها وهي بصدد تقديرها مدى موافقة ما قدرته محكمة اول درجة من عقوبة مع تناسبه مع جريمة المتهم، فقد تبين لها من خلال أوراق الدعوى وما وقع في يقينها من سلوكه الاجرامي الذي لا يجدي معه تقويم على مدى قريب ونفس قد تطرّف ضلالها فلا يرتجى منها اصلاح او انها غدا تطيب بعد أن استهان القاتل بالروح البشرية والنفس الإنسانية التي حرم الله قتلها إلا بالحق وجعل قتلها عنده أعظم من زوال الدنيا وما فيها، فهانت عليه تلك الروح البريئة فقتلها كما يدعي دفاعا عن سمعته وسمعة عائلته، وهو ما لوثه بقبح فعله ولم يفزع أو يرقّ لآلام نطقت بها المجني عليها في لحظة ضيق وكرب مرت بها وكأنه حجر ولم تؤثر فيه قلة حيلتها ولم يراع حداثة عمرها وهي في عمر الزهور ولا مرضها النفسي ولم يجزع لروح بشرية انتزعها من بين جنباتها ولم تعرف الرحمة طريقا اليه فهانت عليه فهان علينا، فكذلك اليوم لا يجد له رحمة ولا شفقة وقد أوصد ببشاعة جريمته أبواب كل رحمة يمكن أن ينالها مما لا تجد معه المحكمة الرأفة سبيلا له ولا للرحمة متسعا يسعه وهو ما يقر به الحكم المستأنف. وكانت النيابة قد تلقت بلاغاً من مركز شرطة جنوب العاصمة بمديرية شرطة محافظة العاصمة بالعثور على جثة متحللة تعود إلى أنثى بناحية نائية في منطقة سند، فانتقلت النيابة آنذاك وناظرت الجثة وأجرت معاينة لمكان العثور عليها دلت على قيام شبهة جنائية في الوفاة. وفي إطار التحقيقات ندبت النيابة العامة خبراء مسرح الجريمة لرفع العينات والآثار المشاهدة بالمكان وفحصها. كما ندبت الطبيب الشرعي للكشف على الجثة لتحديد سبب الوفاة، فيما كلفت الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية بإجراء التحريات وصولاً لتحديد شخصية المجني عليها وظروف وملابسات الوفاة. وعقب التعرف على هوية المجني عليها من خلال فحص الحمض النووي (DNA)، وبناء على ما توصلت إليه تحريات المباحث الجنائية التي كشفت تفاصيل الواقعة والتوصل إلى المتهم مرتكب الجريمة وضبطه، فقد جرت تحقيقات النيابة بسماع أقوال الشهود وذوي المجني عليها، وتم استجواب المتهم الذي أقرّ بقتله المجني عليها بعد أن عقد العزم على التخلص منها، وذلك إثر خلافات نشبت بينهما، وكذا قيامه بإخفاء جثتها بإلقائها بالمنطقة النائية مكان العثور عليها. كما اعترف أيضاً بسبق اعتدائه على عرضها، وإزاء ما قام ضد المتهم من أدلة قولية ومادية ومما خلصت إليه التقارير الفنية فقد أمرت النيابة العامة بإحالته محبوساً إلى المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة. فيما كانت محكمة أول درجة أشارت في حيثيات الحكم إلى أنها عند دراسة الدعوى عن بصر وبصيرة وإلمامها التام بظروف الدعوى وملابساتها أخذت بما ساقته النيابة من أدلة الاثبات فلم يثبت لهيئة المحكمة ان المتهم عند ارتكابه جريمة القتل العمد قام بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها في هدوء وروية قبل ارتكابها بعيداً عن ثورة الانفعال، إنما اطمأنت المحكمة إلى ان حضور المتهم للقاء المجني عليها كان دون تخطيط مسبق لقتلها انما كان بهدف التفاهم معها بسبب بعض الخلافات بينهما. وأشارت إلى أنها من جراء تصرفات المجني عليها عند مقابلة المتهم والتي أخرجت المتهم عن طوره وأدخلته في ثورة غضب شديدة فتولدت لديه فكرة قتل المجني عليها والتخلص منها في لحظتها فقام بضربها في عنقها بقصد قتلها فوراً وكانت تنتابه نوبة غضب وانفعال وانغلاق عقلي شديد تحول دون إمكانية السيطرة على نفسه ومن ثم قام بالجثم عليها وخنقها إلى أن لفظت المجني عليها أنفاسها الأخيرة. فلما كان كل ما تقدم فإن المحكمة لا تطمئن لتوافر ظرف سبق الاصرار بجريمة القتل العمد بحق المتهم، وترى أن الواقعة بما ساقته المحكمة من أدلة يساند بعضها البعض تشكل جريمة القتل العمد المؤثمة بالمادة 333/1 من قانون العقوبات والتي تنص على أنه «من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت»، واختتمت المحكمة حيثيات حكمها بأنها في سبيل تقديرها للعقوبة التي تنزلها بالمتهم أن تتوقف عما كان من المتهم من إجرام وخطورة. ولما كان المتهم قد ارتكب جنحة الاعتداء على عرض المجني عليها وارتكب جناية القتل العمد بأن قتل المجني عليها التي لم يتجاوز سنها عمر زهور الشباب، الامر الذي ترى معه المحكمة أن فعل المتهم الذي أقدم عليه ينم عن خطورته الإجرامية إذ إن ما أتاه المتهم من فعل تنفيذا لما سوّل له الشيطان من قتله للمجني عليها عمداً وإزهاق روحها إذ عميت بصيرته غافلا عما لهذه الروح الإنسانية من حرمة ومنزلة حتى جعل الله عز وجل قاتلها بغير حق كأنما قتل الناس جميعا. واضافت المحكمة بحيثيات حكمها أن ما اقترفه المتهم يحتاج صاحبه إلى جزاء رادع تتحقق به غايات العقوبة الجنائية للردع العام والخاص ومن ثم تقضي المحكمة بمعاقبة المتهم بأقصى وأشد عقوبة نص عليها القانون لجريمة القتل العمد التي لا يتوافر فيها ظرف سبق الإصرار، وهي السجن المؤبد وأقصى عقوبة نص عليها القانون بجريمة الاعتداء على عرض وهي الحبس لمدة ثلاث سنوات من دون استعمال رأفة لانتفاء موجباتها في حق المتهم.
مشاركة :