«ثقافة» الانحناء للزبون وغسل الصحون

  • 3/29/2016
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

نحن على عتبة نيسان. ما أحلى أكاذيب أبريل! نسخر من أنفسنا بخجل، عندما نكتشف أنها انطلت علينا، فصدقناها. عاش السوريون في أربعينات القرن الماضي مع أكذوبة ضخمة. «أكذوبة الإنسان الغزال» الذي ربته ورعته غزلان بادية الشام. السوريون على عتبة أكذوبة ضخمة جديدة. عليهم أن يصدقوا المانيا، عندما تقول إنها تعتزم تربية مليون غزال سوري، بتلقينهم «الثقافة الخدماتية». ثقافة الانحناء بالعمود الفقري أمام الزبون. ثم تدريبهم على غسل الصحون. هل يمكن تصديق إمكانية تحويل شعب ذي تاريخ. ووطن. وذاكرة. وهوية، إلى شعب خدمات سياحية؟! العرب معجبون بـ«معجزة» المستشارة أنجيلا ميركل. الجميع يثني على «إنسانية» الحل الباهر الذي ابتكرته لطي المأساة السورية! لم يعترض أحد على هذه الإنسانية، سوى منظمات حقوق الإنسان التي صحت ضمائرها. فوجدت في المعجزة انتهاكًا لكرامة شعب طيب وعريق، كان من المفروض على العرب. والعالم. والدول الكبرى، إنقاذه من مجازر الإبادة. وحمايته من لعبة السياسة. وأكاذيب الدبلوماسية التي تحاول إخضاعه لنظام فاسد انتهت صلاحيته. وشرعيته. وحتى العم الدولي بان كي مون القادم من بلد تحتله أميركا، يذكرني بسلفه الأسبق بطرس غالي الذي كشف في مذكراته أن أميركا هي التي ترسم لكل أمين عام دولي ما يقول. وماذا يفعل. وأين يذهب ويتجه. أقول إن النظام الدولي يمنح الدولة، أية دولة، في معاهداته. واتفاقاته، حق اللجوء لإنسان واحد مضطهد. أو غير آمن في بلده. ويستحيل منح هذا الحق لشعوب مهاجرة بملايينها، وإلا اختل الانسجام الاجتماعي. واضطرب الوضع السياسي. وتعرضت دول بكاملها للانهيار والغياب، حتى ولو كانت بحجم ووزن ديمقراطيات الاتحاد الأوربي. فالديمقراطية نبتة رقيقة. وصلاحيات أي رئيس فيها، لا تتجاوز ربع صلاحيات دكتاتور هصور كبشار. في الحرب العالمية الثانية، كانت بريطانيا هي التي بادرت بإعلان الحرب على المانيا، بعدما اجتاح هتلر بولندا، بعد النمسا وتشيكوسلوفاكيا. أميركا خاضت حرب بريطانيا. ولم تفتح أراضيها لاستقبال شعوب أوروبا الهاربة من الطغيان النازي. بل كان الواجب على أوروبا تضمين الاتفاق النووي مع إيران بنودًا تُعفي ملالي إيران ولبنان، من الاستمرار في تلطيخ عمائمهم السوداء والبيضاء، بدماء شعب رافض للتشييع. وليست لديه جالية شيعية تتعرض للاضطهاد. وعدم ترك أميركا أوباما، لتدعو بسذاجة إيران وعرب الخليج، إلى تقاسم الهيمنة على المنطقة العربية! مع عزوف أوروبا وأميركا عن فرض حل عادل في سورية، لجأ الاتحاد الأوروبي إلى حل طويل غير مباشر. وغير قابل للتطبيق. فقد رشت ألمانيا تركيا بعدة مليارات من الدولارات، لاحتجاز ثلاثة ملايين مهاجر سوري لديها، ومنعهم من عبور البحر إلى اليونان. واللحاق بأشقائهم الذين وصلوا إلى المانيا. آلية الاتفاق المهين تقوم على تكليف الشرطي الدولي العم مون، بانتقاء لاجئ سوري «شرعي» إلى لبنان. أو الأردن. أو تركيا، لقبوله لاجئًا في دول الاتحاد الأوروبي. في المقابل، تعيد اليونان إلى تركيا لاجئًًا آخر «غير شرعي» تسلل إلى اليونان، بعد سريان اتفاق 18 مارس (آذار) الحالي! لكن أين مندوبو الجامعة العربية؟ ومنظمة التضامن الإسلامي؟ والمعارضات السورية؟ للذهاب إلى المانيا. ومواساة اللاجئين هناك. والاطلاع على أوضاعهم. ووعدهم بحل وطني/ قومي. والتعهد لهم بالكف عن إيذائهم في مناطق المعارضة الدينية التي تشددت في تطبيق الحدود عليهم، من دون رحمة لظروفهم الصعبة. لا أنكر حسن نوايا تركيا. وقطر. وسائر دول الخليج، في تعاطيها مع السوريين. لكن المشكلة في ظهور تنظيمات سياسية ومسلحة متأسلمة. بالإضافة إلى «الداعشية». و«النصراتية». و«الإخوانية». و«المعتدلة». وكلها استفادت من التمويل الخارجي، لتساهم في تقويض تيارات المعارضة المدنية التي فجرت الانتفاضة، مطالبة بالحرية. والديمقراطية. وتغيير النظام. لن تستطيع روسيا إقامة دولة «علمانية» في سورية، طالما أنها حليفة ميدانية لدولة إيران الدينية هناك. ولا ريب في أن إيران تفكر بتصدير عشرة ملايين من سكانها إلى الأراضي التي أجبر السوريون على مغادرتها، إذا ما رضي النظام العلوي بتوطين الشيعة الغرباء. وها هو «حزب الله» مارس التوطين في منطقة القلمون المجاورة لبطنه البقاعي. وقدميه الممتدتين إلى جنوب لبنان. وأشير هنا إلى أن إيران تعاني من كارثة بيئية: كثافة سكانية تضم 85 مليون إنسان، لعجزها عن تطبيق نظام لتخطيط الأسرة. وتصحر قضى على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، بسبب القحط. وانقطاع المطر. وجفاف الأنهار. وقعود «الآيات». والحجتية. والملالي، عن أداء صلوات الاستسقاء. لا آمل في حل سريع يسعى إليه السمسار الدولي ستيفان دي ميستورا، من خلال المفاوضات، بين معارضات فقدت مصداقيتها الميدانية، ونظام يعتقد صاحبه بأنه يمتلك تفويضًا دائمًا لتجديد رئاسته، في انتخابات لا تشرف عليها الأمم المتحدة. كان من الأفضل لميستورا الاهتمام بتأمين وصول المساعدات التموينية لملايين الأطفال والمدنيين المحاصرين. ومنع التنظيمات الدينية المحاصرة معهم، من الاستيلاء عليها. عادت روسيا وأميركا إلى البحث عن حل في سورية. والحل المثالي المتاح هو في فرض وصاية دولية مؤقتة على سورية، تمنع تقسيمها. وتضع حدًا لأطماع إسرائيل. وإيران. و«حزب الله». والأكراد، بتمزيق ترابها الوطني. وإلغاء وجودها التاريخي. لا بد من الإسراع في تشكيل قوة دولية /عربية، بقيادة عسكرية من دول محايدة نائية عن الصراع. السمسار دي ميستورا قام بتسفيه هذا الحل، بحجة أنه غير قابل للتطبيق. لكن وعي غالبية السوريين. ورغبتهم في استعادة وطنهم. ووحدته. وحمايته من نزعات التقسيم العنصرية والطائفية المعادية لهويته العربية، كل ذلك كفيل بضمان الترحيب الوطني بهذه القوات. وإتاحة المجال لها. ومعاونتها للقضاء على أية مقاومة في المناطق الصعبة. بدلاً من مسايرة سياسة «التخديم». وترويج ثقافة الانحناء للزبون. والحشر في المطابخ لغسل الصحون، فالإعلام العربي، بما في ذلك تعليقات المعلقين «الموضوعيين. والمحايدين»، مطالب بكشف أكاذيب أبريل عن الحل السحري، في توطين ملايين السوريين خارج بلدهم. الإعلام العربي مطالب بأن يغادر المكاتب والشاشات. والذهاب إلى المخيمات، لتسجيل الكوارث والمآسي من أفواه الأسر المنكوبة. ولحث المجتمع الدولي على التحرك. وإجبار هيئاته ودوله، على فرض الوصاية سلمًا أو بالقوة. فسورية بحاجة إلى الملايين من شبابها ونسائها، للمشاركة في التنمية. وإعادة البناء والعمران.

مشاركة :