اربطوا أحزمة الأمان.. معركة التضخّم تدخل مرحلة جديدة

  • 1/6/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة احتمالية معقولة بأن أزمة التضخم في هذا العقد ستكون قد انتهت تماماً بحلول الوقت الذي تورق فيه الأشجار في واشنطن وفرانكفورت ولندن. لقد مرت العاصفة بالفعل، والأسعار، في الأشهر الأخيرة، تزداد بمعدلات لا تزيد على مستهدفات المصارف المركزية. على سبيل المثال، وقياساً بالستة أشهر بين مايو ونوفمبر من 2023، سجل معدل تضخم أسعار المستهلكين السنوي 0.6 % فقط في المملكة المتحدة، و2.7% بمنطقة اليورو. وباستثناء الأسعار المتقلبة لكل من الطاقة والغذاء، بلغت المعدلات السنوية للتضخم الأساسي بكلا المنطقتين الاقتصاديتين 2.4% خلال الفترة ذاتها. أما في الولايات المتحدة، فقد سجل المؤشر المعادل، يفضل الاحتياطي الفيدرالي معامل انكماش الإنفاق الاستهلاكي، 1.9% فقط، وبلغ معدله العام 2% بالتالي، لضبط معدلات التضخم وفق مستهدفاتها، تحتاج كل المصارف المركزية إلى تفادي تدهور السيطرة على الأسعار في أمريكا وبريطانيا، وتحقيق تحسن طفيف في منطقة اليورو. وإذا حدث هذا، فيمكن لها إعلان النصر. وغني عن القول إن الانخفاض السريع للتضخم على جانبي الأطلسي في النصف الثاني من 2023 كان مفاجئاً بقدر تصاعده نفسه. وتوقع الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي ومصرف إنجلترا، الصيف الماضي، بقاء التضخم أعلى من مستهدفه حتى 2025 على أبكر تقدير. وفي حين كان تحسن المشهد ملحوظاً ومحل ترحاب، إلا أن إرث أزمة التضخم لن ينتهي بمجرد ارتفاع الأسعار بمعدلاتها الطبيعية مرة أخرى. وتشير الدلائل إلى أن الجمهور كره ارتفاع تكلفة المعيشة والعناء المتعسف في العامين المنصرمين، لكن يرجح أن تتلاشى هذه الذكريات بشكل أبطأ من إحصاءات التضخم. لكن معركة أسعار الفائدة ستدخل مرحلة جديدة في 2024، بعد ارتفاعها فعلياً من الصفر في 2021، إلى مستويات تقييدية عند 4% في منطقة اليورو، و5.25% في المملكة المتحدة، ونطاق بين 5.25 و5.5% في الولايات المتحدة. لم تعد هناك حاجة لتشديد السياسة النقدية، لكن يظل السؤال قائماً في العام الجديد، عن كيفية وموعد تخفيف الضغوط النقدية للإجابة عن هذا السؤال من المناسب أن نبدأ بدراسة مفاجأة تراجع التضخم حتى الآن. مقارنة بالتوقعات في مثل هذا الوقت من العام الماضي، تجنبت الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة الركود وارتفاع معدلات البطالة التي توقعها معظم الاقتصاديين. وكان النمو في أمريكا أفضل كثيراً من نظيره في أوروبا، إلا أن جانب العرض في الاقتصادات على ضفتي الأطلسي فاق التوقعات. ويتقبل مسؤولو المصارف المركزية، بصفة عامة، مسألة خفض الفائدة في 2024، إلا أنهم رغم ذلك مترددين في التحرك سريعاً؛ وينبع هذا من الخوف من إطلاق العنان للأسواق المالية، وكذا جراء بقاء خطر عدم إجهازها تماماً بعد على التضخم. ثمة مقايضة صعبة هنا فمن الضروري الانتظار بعض الوقت قبل خفض الفائدة، لضمان ألا تكون الاتجاهات التي سادت الأسعار في الأشهر الستة المنقضية مجرد بزوغ لفجر كاذب. يحتاج نمو الأجور أيضاً إلى التباطؤ، إلا أن المصارف المركزية عليها السماح لمستويات الأجور الحقيقية للحاق بالركب، ولو مؤقتاً، لعكس مكاسب الإنتاجية وتراجع أسعار الواردات، التي استفادت منهما بلدان عدة في 2023. لكن كلما طال أمد إرجاء القرار، كلما ازدادت التكاليف المرتبطة بالانتظار، بما أن ظهور تداعيات السياسة النقدية يستغرق وقتاً. لذا، يجب على الفيدرالي إقرار أول خفض للفائدة في مارس، مثلما تتوقع الأسواق المالية. أما المركزي الأوروبي ومصرف إنجلترا، فعليهما التحلي بالحكمة في تبني جدول زمني مماثل، لا التمهل، خصوصاً بما أن اقتصاد أوروبا أضعف وأكثر عرضة للانكماش غير الضروري وحتى اللحظة، فالمسؤولون على جانبي الأطلسي ليسوا مستعدين للإفادة بإمكانية اتخاذ مثل هذه القرارات في الوقت المناسب. وإذا كانت الأسواق المالية محقة في استصواب التخفيض المبكر للفوائد، إلا أنها تمادت كثيراً في ترجيح تقليصها بالسرعة التي رفعتها بها، مع تسعير خفض بمقدار 1.5 نقطة مئوية للفوائد بكل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو هذا العام. وتجدر الإشارة هنا إلى انخفاض البطالة وقلة الفوائض، ما ينذر بخطر عودة التضخم من جديد، إذا نمت الاقتصادات بسرعة مفرطة. تحتاج المصارف المركزية إلى إيجاد مسار معتدل يصل بها إلى فوائد محايدة، لكيلا تحفز أو تقيد النمو الاقتصادي والتضخم. هذا المستوى ليس معروفاً بعد، لكنه ليس أقل كثيراً بالضرورة من المعدلات الرسمية القائمة اليوم. يجب أن يطبق هذا الحذر حتى وإن تراجع التضخم دون الصفر مؤقتاً في الأشهر المقبلة، إذا انخفضت أسعار الطاقة بحدة على سبيل المثال ومن شأن انخفاض أسعار الواردات السماح للمستهلكين بالحصول على دخول أعلى واستهلاك أكبر، ولن يكون ذلك مؤشراً على انهيار اقتصادي وشيك. وإذا علمتنا الأعوام القليلة الماضية أمراً، فهو أن السيناريوهات المتوقعة من المرجح أن تتأثر بأحداث خارجة عن نطاق سيطرة السياسة . لذلك، يجب أن تكون السمة الأكثر أهمية لمسؤولي المصارف المركزية هذا العام هي التحلي بالمرونة في مواجهة الأخطاء الحتمية للتوقعات، وأيضاً القابلية لإيصال رسالة تفيد بحاجة السياسة للتكيف مع تغير الظروف، فمن الرائع هزيمة التضخم المرتفع، لكن العالم الجديد الصعب يبدأ الآن. توقعات الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي ومصرف إنجلترا ببقاء التضخم أعلى من مستهدفه حتى 2025 على أقل تقدير تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :