يجب توخي الحذر عند تطويع الذكاء الاصطناعي لتحقيق استفادة للفقراء، وذلك ما توضحه بحوث أعدت في كينيا وسيراليون وتوجو، بينما يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة شكل الاقتصادات النامية، فإنه يثير مخاطر مألوفة تتمثل في تعطل العمل والمعلومات المضللة والرقابة ـ ولكنه يبشر أيضا بكثير من الفوائد المحتملة. توضح الأمثلة في الآونة الأخيرة إلى أي مدى يمكن للتكنولوجيات التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي توجيه المساعدات والائتمان على نحو أفضل، وزيادة القدرة على الحصول على خدمات تدريس ومشورة طبية مصممة خصيصا. إلا أن تحقيق التوازن بين هذه المخاطر والفرص يعني أكثر من مجرد توصيل التكنولوجيا الحالية وتشغيلها، فهو يتطلب ابتكارا وتطويعا على المستوى المحلي. وقد نشأت معظم أوجه التقدم التي شهدها الذكاء الاصطناعي أخيرا في دول غنية، وجرى تطويره في تلك الدول من أجل المستخدمين المحليين باستخدام بيانات محلية. على مدار الأعوام الماضية، أجرينا بحوثا مع شركائنا في دول منخفضة الدخل، بالعمل على تطبيقات الذكاء الاصطناعي من أجل تلك الدول والمستخدمين والبيانات. في مثل هذه البيئات، لن تنجح الحلول المستندة إلى الذكاء الاصطناعي إلا إذا كانت تناسب السياق الاجتماعي والمؤسسي المحلي. في توجو، حيث استخدمت الحكومة تكنولوجيا تعلم الآلة لتوجيه المساعدات النقدية أثناء جائحة كوفيد- 19، نجد أن تطويع الذكاء الاصطناعي ليناسب الظروف المحلية كان العامل الرئيس لتحقيق نتائج ناجحة. فقد أعادت الحكومة توظيف التكنولوجيا المصممة في الأصل لتوجيه الإعلانات على شبكة الإنترنت لاستخدامها في مهمة تحديد أفقر الأشخاص المقيمين في البلاد. باستخدام الذكاء الاصطناعي، عالج النظام بيانات واردة من الأقمار الاصطناعية وشركات الهواتف المحمولة لتحديد سمات الفقر ـ مثل القرى التي تظهر غير مطورة في التصوير الجوي، والمشتركين في خدمة الهاتف المحمول الذين لديهم أرصدة قليلة في هواتفهم. وساعد توجيه المساعدات استنادا إلى هذه السمات على ضمان وصول التحويلات النقدية إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها. لم ينجح هذا التطبيق في توجو إلا لأن الحكومة عدلت هذه التكنولوجيا بحيث تلبي الاحتياجات المحلية، وذلك بالتعاون مع باحثين ومنظمات غير هادفة إلى الربح. فقد أنشأوا نظاما لتوزيع المدفوعات عبر الهاتف المحمول نجح مع جميع المشتركين في خدمة الهاتف المحمول، وطوعوا برمجيات تعلم الآلة المتاحة لتوجيه التحويلات النقدية، وأجروا مقابلات مع عشرات الآلاف من المستفيدين لضمان أن النظام يعكس التعريف المحلي للفقر. حتى مع ذلك، لم يكن الحل المستند إلى الذكاء الاصطناعي مصمما ليكون دائما، فقد كان من المقرر التوقف عن استخدامه تدريجيا بعد انتهاء جائحة كوفيد- 19. وقد أثار البرنامج المستند إلى الذكاء الاصطناعي أيضا تخوفا آخر وهو أن الخوارزميات التي تعمل جيدا في المختبرات قد لا يمكن التعويل عليها عند استخدامها لاتخاذ قرارات مهمة على أرض الواقع. على سبيل المثال، في نظام لتوجيه المساعدات على غرار النظام المستخدم في توجو، يمكن للأشخاص تعديل سلوكهم ليصبحوا مستحقين للحصول على مزايا، وبهذا يقوضون قدرة النظام على توجيه التحويلات النقدية إلى الفقراء.. يتبع.
مشاركة :