في ظل امتلاك 1 في المائة فقط من البشر ما يقرب من نصف ثروات العالم، ليس من المستغرب أن تكون قضية عدم مساواة الدخل من أبرز المواضيع على جدول أعمال المعنيين بالتنمية الدولية. يعتبر التعليم العالي بلا شك، الدافع الأساسي للحراك الاجتماعي والنمو الاقتصادي، بسبب قدرته على تحسين فرص العمل ومستويات المعيشة للأفراد، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحرومة. ومع ذلك، فإن الفجوة في القدرة على تحمل تكاليف التعليم العالي لا يمكن التغلب عليها بالنسبة لأغلبية سكان العالم. ويصبح الوضع أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بأهم وأبرز الجامعات، حيث إن نسبة تمثيل الطلاب القادمين من دول ذات دخل منخفض في هذه الجامعات ضئيلة جدا. يتزايد الإدراك بمزايا الالتحاق بالجامعات المرموقة، فهي لا توفر تعليما جيدا فقط، ولكنها فرصة للاحتكاك بأشخاص من أصحاب النفوذ، وشبكات النخبة التي قد تكون مفيدة للطلاب وبلدانهم. على سبيل المثال، جميع الأشخاص الممثلين لدول ذات دخل منخفض في المنتدى الاقتصادي العالمي لمجالس الأجندة العالمية التي تعتبر مهمة من الناحية السياسية، قد أكملوا دراستهم في إحدى الجامعات الأجنبية المرموقة (تشكل هذه الدول أقل من 2.5 في المائة من إجمالي عضوية مجالس الأجندة العالمية على الرغم من أنهم يمثلون 12.5 في المائة من سكان العالم، وهذا دليل آخر على عدم توازن القوة الموجود حول العالم). وبالفعل صعوبة الوصول إلى أجواء النخبة تسهم في الاستمرار في تهميش بلدان مستبعدة حاليا عن الساحة العالمية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. نسهم عن طريق دعم مواطني الدول ذات الدخل المنخفض للالتحاق بإحدى الجامعات المرموقة، في توسيع شبكة معارفهم، ورفع احتمالية مشاركتهم في مثل هذه النقاشات مستقبلا. بينما يسعى عديد من الجامعات المرموقة في بلدان العالم الأول إلى توفير الدعم المالي للمتقدمين من المجتمعات المحرومة، إلا أن أغلبية جهودها لا تتجاوز حدودها الجغرافية. وبالتالي، فإن طلاب بلدان ذات دخل منخفض، مثل سيراليون حيث تكلفة سنة دراسية واحدة في جامعة هارفارد تعادل 100 سنة من العمل لأصحاب الدخل المتوسط، فإن فكرة الالتحاق بمثل هذه الجامعات غير واردة. المطلوب هو آلية تمويل، وهو الأمر الذي قادته شركات القطاع الخاص كجزء من أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات، لتوفير عدد أكبر من الفرص لطلاب البلدان ذات الدخل المنخفض، للتسجيل في أفضل جامعات العالم وتشجيعهم على العودة إلى بلدانهم الأصلية بعد استكمال دراستهم. في تقريرنا المقبل عن الاستثمار في القادة المستقبليين سنتحدث عن كيف يمكن أن يؤثر الاستثمار في الأفراد في تمكين المواهب الأقل حظا بالوصول إلى أفضل جامعات العالم، وجدنا أن "نماذج للاستثمار في الأفراد" تأتي من بين أكثر نماذج التمويل ابتكارا التي ظهرت في الآونة الأخيرة، وهي نماذج واعدة من ناحية الحصول على التمويل الذي يمكن الطلاب المحرومين من الالتحاق بجامعات مرموقة، فهي تقدم مساعدتين مالية واجتماعية في الوقت ذاته. في حين أحرز هذا النوع من الاستثمار تقدما في عديد من المجالات الملحة اجتماعيا، إلا أنه لا يزال حديثا في قطاع التعليم. في حين يبدو أن الجزء الأكبر من الأموال المخصصة للاستثمار في الأفراد في مجال التعليم يركز على مرحلة التعليم الأساسي وبناء وتطوير البنية التحتية للمدارس – وهي مجالات يسهل قياس مستوى الإنجاز فيها - ظهر عدد من الكيانات التي تهدف إلى مساعدة الطلاب المحرومين من الحصول على تعليم عال جيد. فهناك الاستثمارات المبتكرة في الأفراد للموقع الكيني للقروض الصغيرة (كي آي في أيه) بالشراكة مع جامعة نيروبي ستراثمور، الذي قدم للطلاب الكينيين المنحدرين من طبقة فقيرة والحاصلين على درجات علمية عالية، فرصة الحصول على قروض طلابية منخفضة الفائدة، تغطي الرسوم الدراسية كاملة أو جزءا منها، والأجهزة أيضا مثل الكمبيوتر المحمول. ومنذ بداية البرنامج في يناير 2012، تم منح 65 قرضا بقيمة أكثر من نصف مليون دولار أمريكي، تغطي أغلبها الرسوم الدراسية بشكل كامل. وكمثال آخر في كينيا، هناك مؤسسة "إيكويتي جروب"، التي تدير برنامج "إيكويتي أفريكان ليدرز". حيث تكفلت بدفع التكاليف الجامعية للطلاب الذين حصلوا على أعلى معدلات. والتي وفرت منذ إنشائها في عام 1998 أكثر من 1500 منحة دراسية كما تكفلت بإرسال 200 طالب كيني للدراسة في الخارج في بعض أفضل الجامعات في العالم... يتبع.author: د. سامي محروم
مشاركة :