"سيناريو حلم" يكسر قيود الحياة الواقعية متجاوزا حدود العقل البشري

  • 1/16/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

“سيناريو حلم” قصة سينمائية غامضة ومشوقة تقودنا إلى تحقيق خيالي يكسر حاجز الوهم الاجتماعي، عبر تفاعل الأحلام مع الواقع بشكل مثير ومفعم بالرموز، ما جعل الفيلم تجربة سينمائية تحاكي حقيقتنا مع العالم الافتراضي من جهة والحياة اليومية من جهة أخرى. واشنطن - “سيناريو حلم “هو فيلم خيالي يصنف ضمن أفلام الكوميديا السوداء الأميركية، من تأليف وإخراج كريستوفر بروجلي، وبطولة كل من نيكولاس كيدج وجوليان نيكلسون ومايكل سيرا ويتم ميدوز وديلان جيلوبا وديلان بيكر. يحكي الفيلم، في إطار من الرعب، قصة أستاذ علوم أحياء متواضع يتحول فجأة إلى أحد أشهر الرجال في العالم بسبب ظهوره بشكل مبهم في أحلام الناس. تبدأ افتتاحية الفيلم بمونتاج يستخدم انتقالات متقطعة ومشوشة، حيث تظهر الصور تدريجيا على الشاشة باستخدام تأثيرات القفز، ضمن خط مستمر يظهر ويختفي تصاعديا، بعد ذلك تبرز عدة لقطات حيث تتحرك الكاميرا تدريجيا نحو الأمام لنرى رجلا يقوم بكنس الأرض، وفي الجزء الأمامي من المشهد تجلس فتاة بجوار طاولة زجاجية. تقترب الكاميرا من المائدة الزجاجية في لقطة تتبعية، حيث نشاهد الزجاج ينكسر بضربة شديدة، يلي ذلك صراخ الفتاة في لقطة قريبة جدًا وهي تقفز من شدة الخوف، وفي الجهة المعاكسة تتحرك البؤرة لنرى الرجل الذي يظل غير مبالٍ ويستمر في المراقبة والكنس دون أن يحرك ساكنا، يتبين بعد ذلك أن مفاتيح فولاذية كانت السبب في انكسار الزجاج دون أن نعلم من رماها إذ سقطت من أعلى. تستمر اللقطات في سياقٍ مشوّق حيث يسقط حذاء من الأعلى في المسبح الخلفي للرجل الذي يظل غير مهتم، ويتبين أن هذا الرجل هو أب الفتاة المفزوعة، ورغم الحادث يظل غير مبالٍ بما يحدث لابنته، ونرى هذا في الحوار بينهما إذ يلتزم الرجل الهدوء، في حين تبدو الطفلة مندهشة لردود أفعاله الباردة. موضوع القصة يحوم حول أستاذ علوم أحياء متواضع يصبح من أشهر الرجال عالميّا بسبب ظهوره المبهم في الأحلام موضوع القصة يحوم حول أستاذ علوم أحياء متواضع يصبح من أشهر الرجال عالميّا بسبب ظهوره المبهم في الأحلام يأتي بعد ذلك مشهد خيالي نرى فيه الفتاة تطير وكأن أحدًا يسحبها نحو الأعلى في زاوية تصوير منخفضة، ثم تختفي تدريجيا حتى تصبح الصورة ضبابية كلما طارت إلى الأعلى، إلى أن ينتقل بنا المخرج إلى مربط الفرس، هنا نسمع صوت الفتاة الصغيرة التي تدعى صوفي، والتي قامت بدورها الممثلة ليلي بيرد، ابنة بول ماثيو، الذي قام بدوره الممثل نيكولاس كيدج، تحكي عن حلم يراودها عن والدها بول ماثيو الذي كان يكنس الأرض ولا يبالي بها. ويتواصل المشهد حيث يقول بول لابنته “هذه هي المرة الثالثة التي تحلمين بي وأنا أقف متفرجا ولا أساعدك”، ومن هنا تنطلق بداية الأحداث التي تحكي قصة بول ماثيو، أستاذ علم الأحياء الذي يبدأ في الظهور لسبب غير مفهوم في أحلام الناس في جميع أنحاء العالم. بشكل تلقائي يقف في أحلامهم كمتفرج أو يمر مرور الكرام دون أن ينطق بكلمة أو يفعل أي شيء. يستمر الفيلم في جذب الانتباه بأحداث مشوقة، خاصة في متتالية مشاهد قاعة السينما حيث التقت صديقة بول، الصحافية السابقة كلير التي قامت بدورها الممثلة مارني ماكفيل، بزوجته جانيت التي أدت دورها الممثلة جوليان نيكلسون، إذ أخبرتها بأنه كان يظهر في أحلامها على نحو مستمر وأنها تتذكره دائما. طلبت كلير الكتابة عن هذه الأحداث في صحيفتها، فوافق بول بشكل عفوي رغم تردده. تتوالى الأحداث حيث تربط كلير صورته وملفه الشخصي على الفيسبوك بمقالتها، مما يؤدي إلى اعتراف مئات الأشخاص الذين لم يلتقوا ببول مطلقًا بأنه هو الشخص نفسه الذي يظهر في أحلامهم. تحدث ضجة عارمة بسبب هذا المقال، حيث يصبح بول شخصية مشهورة، يتهافت عليه الناس ليلتقطوا صورا معه ويلتقوا به، إلا أنه يشعر في داخله بالإحباط بسبب ظهوره السلبي وعديم الفائدة في أحلام الآخرين، نلمس هذا في المشهد الذي نرى فيه بول وزوجته جانيت في غرفة نومهما حيث تسأله عن سبب عدم ظهوره في أحلامها رغم أنها زوجته، وتخبره بأنها تريد أن تحلم به وهو ينقذها بينما ترتدي زي الهالووين القديم المستوحى من بدلة كبيرة الحجم ذات الإيحاء الجنسي، فيخبرها بأنها لا تحتاج إليه في أحلامها لأنه زوجها وبين يديها في أي وقت. وتتوالى الأحلام إلى أن تنتقل بنا متتالية المشاهد إلى الحدث الأبرز وهو تهاتف شركات الإنتاج مثل سبرايت على التعاقد مع الرجل بصفته شخصية مشهورة ومثيرة للاهتمام، ورغم أن هذه الفكرة قوية وتجسد عالمنا الافتراضي اليوم وخاصة ما يحصل في عالم التيك توك ومشاهير الإنستغرام وفوضى المؤثرين، إلا أن فكرة تحويل أستاذ جامعي وكاتب محترم إلى ماركة للبيع تقصف واقعنا المرير الذي قلب موازين القيم. يظهر هذا الخلط بين قيمة العلم الحقيقي للأستاذ الجامعي وقيمة الشهرة الافتراضية في المشهد الذي دار فيه الحوار الاستبدالي بينه وبين المتحدث باسم شركة سبرايت، ترينتي، الذي قام بدوره الممثل مايكل سيرة، حيث كان بول يدافع عن كتابه في علوم الأحياء إذ ذكر لهم أسماء العلماء، وتبين أن لا أحد من شركة سبرايت يعلم شيئًا عن العلم، فقد كان همهم شراء بول كماركة مسجلة تحت عنوان “معجزة الرجل الذي يظهر في أحلامكم”، وقد ظهر في أحلام الرئيس الأميركي باراك أوباما. أداء الكبار مقنع أداء الكبار مقنع يتبع هذا مشهد قوي يبين أن مولي، التي تعمل مساعدة في شركة سبرايت والتي قامت بدورها الممثلة دايلان كليلة، رأت بول في أحلامها، ولكن بشكل مختلف لا يشبه عدم اهتمامه وعدم فعله أي شيء في أحلام الناس، بل بلغ بها الأمر حد أنها رأته يمارس الجنس معها في شقتها. هذا المشهد يعتبر من أقوى المشاهد في الفيلم من حيث الرمزية، إذ يرمز إلى أن المشاهير، بغض النظر عن شكلهم وسنهم، يصبحون محطة لاهتمامات الشباب وهوسهم، ويعكس تأثير مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي على الناس، ومدى تفاقم التفاهة في عصرنا الحديث. تظهر هذه التفاهة الافتراضية في متتالية الأحداث اللاحقة وخاصة في اللقطات التي تنقلب فيها صور بول في أحلام الناس إلى كابوس يحوله إلى رجل شرير وقاتل، حيث تنتقل بنا رمزية الفيلم من أحلام يراها الناس في الليل منفصلة عن الواقع إلى أحلام اليقظة. نشاهد هذا في تكوين اللقطات التي عبر عنها طلاب بول في الجامعة بالخوف والهروب منه والاستهزاء به، وهنا تضرب قيمة الأستاذ الجامعي عرض الحائط فقط لأن “البوز” انتهى، ثم المشهد اللاحق الذي تفسخ فيه شركة سبرايت العقد وتحوله إلى موضوع دون قيمة ولا تأثير، حيث يتجه الإعلام نحو أعلى نسب المشاهدة حتى لو كان ذلك لأتفه الأسباب، ويتجاهلون كتاب بول في علم الأحياء. كان أداء الممثل نيكولاس كيدج في دور بول ماثيو رائعًا، وخاصة في المشهد الذي رأى خلاله نفسه في الحلم، مما جعله يستيقظ صباحا ويسجل فيديو يعتذر فيه لطلابه والمجتمع عن ظهوره السيء والسلبي في أحلامهم لأنه لم يكن يدرك أنه بهذا السوء وأن هذا مجرد حلم عابر لا دخل له فيه. ويبرز هذا الفيلم قدرات المخرج وكاتب السيناريو كريستوفر فورجي، إذ جاء السيناريو محكما ومنسجما ومترابطا من حيث المراوحة بين الأفكار الخيالية والواقعية، ويحمل رسالة اجتماعية قوية ومهمة، أما على مستوى التصوير السينمائي فكان ترتيب المشاهد في غاية الدقة والتناغم.

مشاركة :