يُوارى الثرى اليوم الفنان الإماراتي سعيد النعيمي، أحد أبرز رواد جيل التأسيس في الدراما التلفزيونية بالدولة، الذي وافته المنية أمس في أحد المشافي الألمانية، بعد رحلة معاناة طويلة مع المرض. وبرحيله، تنطوي صفحة ناصعة من تاريخ الدراما التلفزيونية والكوميدية في الخليج، التي كان له قصب السبق في إرساء دعائمها، بالتمثيل والكتابة والإخراج، بالإضافة لدوره البارز كمراقب عام للبرامج في تلفزيون أبوظبي، وغيرها من المحطات التي تجلت جميعها في مجموعة من الأعمال التلفزيوينة الإماراتية المميزة وهي سيف نشوان والقضية رقم 1 وسوالف الفريج وأحلام السنين وغيرها الكثير، فضلاً عن العمل الكوميدي أشحفان الذي يعتبر أحد أبرز أعماله بمشاركة رفيق دربه الراحل سلطان الشاعر. حظي الراحل بتقدير كبير وسط زملائه وتلاميذه، وتلقى مجموعة من التكريمات، كان آخرها على هامش مشاركته في ندوة رواد الدراما مع الفنانين رزيقة طارش وأحمد منقوش، وقبلها في مسرح الشارقة الوطني ضمن تكريمه لقدامى المشتغلين بالمسرح. وأظهر طوال مسيرته الفنية حرصاً كبير على تقدير المبدعين، ليلعب دوراً رئيسياً في تهيئة الأجواء للفنانين الشباب وإتاحة الفرصة لهم. عُرف النعيمي بأنه صاحب الضحكة الحاضرة أمام الكاميرا لمشاهديه، الذين لطالما زرع البسمة على شفاههم، وبين زملائه، فسخريته الحاضرة لم تفارقه حتى وهو بعيد عن الكاميرا، وبغيابه تفقد الدراما الإماراتية أحد أنضر بسماتها الصافية، حسبما يؤكد زملاؤه وتلاميذه ومتابعو أعماله. دماثة الخلق والوجه الطيب البشوش، أبرز ما يُعرف به، وفق الفنان أحمد الجسمي، الذي جمعته معه صداقة طويلة. يقول: النعيمي فنان إماراتي بالفطرة، من جيل الرواد الذين أضاؤوا مسيرة الدراما المحلية، ووضعوا لبناتها الأولى، وكان مقياساً لنا في كل جوانب العمل الفني بدءاً من الوقوف أمام الكاميرا، وانتهاءً بالدقة والقدرة على إنجاز العمل الفني. يتغلب الجسمي على غصته، ويتابع قائلاً: إنه ابن المهنة بالخبرة والفطرة والحس الفني الكوميدي الشعبي، ما جعله تيرمومتراً فنياً حتى بالنسبة لأبناء جيله الفنانين، ومنهم الراحلان محمد الجناحي وسلطان الشاعر، وجميع أهل التلفزيون في أبوظبي ودبي والشارقة. ويروي لـالخليج أحد المواقف التي تدلل على براعة النعيمي في الكتابة والتمثيل والإخراج، قائلاً: حين كان يقدم أحد أبرز أعمال الديكودراما (سياحة في وطن) على تلفزيون أبوظبي في أحد مواسم رمضان، كان هو مخرج العمل وبطله وكاتبه، دون أن ينقِص هذا الجمع بين الأدوار من براعته في شيء، فوجئ طاقم العمل بنقصان في مجموعة من المشاهد، فما كان من الراحل إلا أن يكتب المشهد في نفس الوقت بلا عناء يُذكر، ما يدل على خبرته الكبيرة وامتلاكه ناصية المهنة. ولا ينسى الجسمي، الذي جمعته بالراحل صداقة امتدت إلى 30 عاماً، أن يؤكد على إنسانية النعيمي ولطفه وكرمه ودماثة أخلاقه. ويضيف: كانت ضحكته لا تفارقه، وعلى الرغم من أنه تبوأ أرفع المناصب في تلفزيون أبوظبي، الذي ترقى فيه حتى وصل لمرتبة مراقب عام للبرامج، فإن مكتبه كان ملتقى للأصدقاء من جميع الجنسيات، كان اجتماعياً للدرجة التي جعلته يرفض مراراً الترقية لمناصب أعلى حتى لا يغلق بابه في وجه أحد، كان مراقباً عاماً للدراما في تلفزيون أبوظبي، الأمر الذي جعله سيد الموقف في الدراما التلفزيونية لسنوات، وخرجنا جميعنا من تحت عباءته، وكان ذا فضل كبير في تقديمنا للناس. يتذكر الجسمي، الفنان الراحل فيغالب دموعه، وكيف اتصف بالكرم، بل كانت متعته الحقيقية أن يجالس البسطاء، وهو الساخر الضاحك من كل شيء أمام الكاميرا وخلفها، ويجمع خصال شعب الإمارات الطيب، وكان خيّراً يسعى إلى خدمة الناس. الفنان الدكتور محمد يوسف يؤكد أن الراحل نسيج قائم بذاته يجمع خيوط الإبداع والرحابة بالإنسانية، مضيفاً أنه من القلائل الذين تحملوا عبء التأسيس للدراما الإماراتية. يقول: لعب النعيمي دوراً كبيراً في هذه المهمة الكبيرة، مع أقرانه من الرواد، وأتذكر أنه إبان تكريمنا له في مسرح الشارقة الوطني، أثرى الراحل مكتبة الدراما الإماراتية بمجموعة من الأعمال المميزة، أبرزها العمل الكوميدي (أشحفان)، كما أنه مخرج وممثل يميل للشعبية والروح الجماعية، وكان له مواقف كثيرة في زمن البدايات الذي كانوا يستخدمون فيه كاميرا بسيطة، إلا أن تجويد العمل كان عهده دائماً، كما أنه كان يصر على إعطاء الفرصة للآخرين في الدراما.
مشاركة :