ليس من المعقول أن تكون "كمية المياه" المستخرجة من الآبار في المملكة يوميا أكثر من 3 أضعاف حجم "كمية النفط" المستخرجة يوميا في جميع دول العالم شكرا معالي وزير المياه والكهرباء على إدلاء الشهادة بأن فاتورة جوالات أبنائنا مرتفعة جدا، لدرجة أنها أعلى من فاتورة الماء التي ارتفعت إلى 1000 ريال بعد أن كانت 28 ريالا. أما بالنسبة لما يُتداول حاليا، فأحرج ما يقع فيه المسؤول الكبير المخلص أن يكون ناقلا لمعلومات قدمها له مسؤولون يعملون لديه، وهذه المعلومات خاطئة تغطي ضعف مخرجاتهم في الأعمال كمبررات للخروج من مأزق جدوى الأعمال والتكلفة تكون من جيب المواطن؛ والمؤسف أن يكون ناقلا لهذه المعلومات إلى المجالس العليا والرأي العام، وليته توقف عند النقل وسمح للرأي العام بالمشاركة، بل إنه أصبح مقنعا ومبررا للأخطاء. ظهور مسؤولو وزارة المياه والكهرباء في الإعلام بمعلومات ركيكة، زادت من قناعة الرأي العام بأن "المياه" وشركاتها ومنظوماتها ليست لديها ما تقدم أكثر من إثبات أن معلوماتها خاطئة بالمنطق والعقل قبل الآلة الحاسبة التي لا تخطئ أحدا. العزاء الوحيد والمعلومة الوحيدة السليمة التي يُشكر عليها معالي وزير المياه هي شهادته للمواطن بأن فاتورة جوالات أبنائنا مرتفعة لدرجة أنها أعلى من فاتورة الماء التي ارتفعت إلى 1000 ريال بعد أن كانت 28 ريالا. ظهر معالي وزير المياه والكهرباء في برنامج ساعة حوار على قناة المجد الفضائية ليلة الإثنين، وصوّر للجميع أن المواطن مسرف في استهلاك المياه، مستدلا بأدوات لم أكن أود أن أراه يبرر أخطاء موظفيه باستخدام تلك الأدوات، وليته لم يقتنع باستخدامها، وكم كنت أتمنى أن يستمع للرأي العام والرأي المخالف متقبلا ومناقشا وليس مدافعا عن الأخطاء ومبررا لها. استدل معالي الوزير أيضا بمقارنة مع الدول الأخرى، مصورا أن المملكة ثالث أكثر دولة في العالم استهلاكا للماء في القطاع السكني؛ وعرض معاليه شريحة تبين أكثر الدول استهلاكا للماء للفرد في القطاع السكني، فجاءت الولايات المتحدة الأميركية في مقدمتها بمعدل استهلاك الفرد 666 لترا في اليوم، وفي المرتبة الثانية المواطن الكندي بـ431 لترا في اليوم، ثم السعودي بـ256 لترا، ويليه 8 دول متقدمة قبل أن تصل إلى أستراليا التي يصل استهلاك الفرد إلى 100 لتر في اليوم والياباني بـ99 لترا في اليوم. ما السر في استهلاك المواطن الأميركي الذي يصل إلى حوالى 6 أضعاف المواطن الأسترالي، و6 أضعاف المواطن الياباني؟ هذا في الاستهلاك المنزلي، وأيضا الأميركي يستهلك أكثر من ضعف استهلاك المواطن السعودي، والكندي يستهلك 70 % أكثر من استهلاك السعودي. يعني كل هذا يحصل من المواطن الأميركي والكندي اللذين تلقيا تعليما ممتازا، ويعملان ضمن أنظمة متينة وبيئة تعي معنى ترشيد الاستهلاك، ليس هذا فقط، بل إن تكلفة المياه على الأميركي والكندي عالية، ومع كل هذه المعطيات فالمواطن الأميركي والكندي يسرفان أكثر من أضعاف "السعودي المسرف والذي يحصل عليه شبه مجاني"؟ ولحل اللغز يا معالي الوزير "معدل استهلاك الفرد" قد يعني للقطاعات جميعها، فقد يعني للقطاع السكني، وقد يعني للقطاع المدني أي المدينة، يجب ألا نقارن كمية المياه التي تخدم المدينة بكميات المياه التي تخدم القطاع السكني في مدينة أخرى بالنسبة لاستهلاك الفرد الواحد، إذ إن بعض الدول تنظر إلى الاستهلاك السكني وبعضها إلى المدني، هل وضحت لكم الصورة؟ هل اقتنعتم أن الأميركي ليس مسرفا، والكندي ليس مسرفا، ولا نحتاج لإدانتهم لنثبت إدانة المواطن السعودي البريء. استهلاك المدني "المدينة" يا معالي الوزير ليست المنازل فقط، بل أيضا المرافق الحكومية من مدارس ومستشفيات ومساجد ودوائر حكومية، وأيضا القطاع التجاري والمصانع داخل المدينة، لماذا نحمل المواطن استهلاك هذه القطاعات؟ لماذا نشرنا لسنوات أن السعودي مسرف في كل استهلاك؟ نعلم جيدا أن قطاعات صناعية مثل المدن الصناعية لها إمدادات خاصة، ولكن الورش الصناعية داخل المدن هي ضمن الاستهلاك المدني، أي استهلاك المدينة أو municipal consumption والذي يشمل السكني والحكومي والتجاري والخدمات العامة. لماذا لا نقيس استهلاك عدادات المنازل وهو المؤشر الحقيقي للمواطن المظلوم، اجمعوا بالحاسب استهلاك عداد كل منزل، واقسموا على السكان لمعرفة معدل استهلاك الفرد. وفي محور آخر، ذكر معالي الوزير أن استهلاك المواطنين اليومي للمياه 9 ملايين متر مكعب منها 4 ملايين متر مكعب من معامل التحلية والـ5 ملايين متر مكعب المتبقية من الآبار، أي أن آبار المياه التي تغذي 55 % من المنازل تستخرج مياها توازي بحجم لتراتها أكثر بـ3 مرات من كميات النفط التي تستخرجه آبار النفط في المملكة. ولا أخفيكم سرا، أن الزراعة في المملكة تستهلك أكثر من 5 أضعاف القطاع السكني، وهي من الآبار، ولكنها لا تذكر كثيرا في الإعلام، لأنها لا تستخدم للوم المواطن. هذه الأرقام توضح أن الماء المستخرج من الآبار للزراعة والسكن وغيرها حوالى 30 ضعف حجم النفط المستخرج من الآبار يوميا في المملكة. والله لا أعلم كيف تقيسون مياه الآبار؟ هل عليها عدادات؟ معالي الوزير، هل يعقل أن إنتاجكم للمياه من الآبار أكثر من إنتاج النفط العالمي بأكثر من 3 مرات؟! هل لديكم أعمال حفر وصيانة آبار عملاقة جدا؟! معالي الوزير، قد تكون المياه المستخرجة في المملكة والمستهلكة أقل من 10 % مما تدعون، أرجو أن يكون توكيل المهمة لمن يستطيع توضيح الحقائق وليس لمن يقدم المعلومات الخاطئة.
مشاركة :