تشير الأدلة المستمدة من الاقتصادات المتقدمة والنامية منذ الحرب العالمية الثانية إلى أن المزيج الصحيح من السياسات من الممكن أن يزيد الاستثمار، حتى عندما لا يكون الاقتصاد العالمي قويا. فقد تمكنت الدول في مختلف أنحاء العالم من توليد نحو 200 طفرة استثمارية منتجة لمكاسب غير متوقعة، التي يمكن تعريفها بأنها فترات تسارع فيها نمو نصيب الفرد في الاستثمار إلى 4 في المائة أو أكثر، وظل هناك لأكثر من ستة أعوام. وقد قفزت كل من الاستثمارات العامة والخاصة خلال هذه الفترات. كانت الخلطة السرية تتألف من حزمة سياسية شاملة عملت على توحيد الموارد المالية الحكومية، وتوسيع التدفقات التجارية والمالية، وتعزيز المؤسسات الضريبية والمالية، وتحسين مناخ الاستثمار لمصلحة المشاريع الخاصة. إذا نجحت كل من الاقتصادات النامية التي هندست مثل هذه الطفرة الاستثمارية في العقدين الأول والثاني من القرن الـ21 في تكرار هذا الإنجاز في عقد العشرينيات الحالي أيضا، فإن الاقتصادات النامية ستكون بذلك اقتربت من قطع ثلث الطريق إلى تحقيق كامل إمكاناتها الاقتصادية. وإذا كررت كل الاقتصادات النامية أفضل أداء حققته في غضون عشرة أعوام في تحسين الصحة والتعليم والمشاركة في قوة العمل، فإن هذا كفيل بسد معظم الفجوة المتبقية. وسيكون النمو المحتمل في الاقتصادات النامية في عشرينيات القرن الحالي أقرب إلى ما كان عليه خلال العقد الثاني من القرن الـ21. هناك أيضا خيار إضافي متاح لثلثي الاقتصادات النامية التي تعتمد على صادرات السلع الأساسية. إذ يمكنها أن تحسن من أدائها ببساطة من خلال تطبيق مبدأ أبقراط على السياسة المالية: "أولا، لا تحدث مزيدا من الضرر". الواقع أن هذه الاقتصادات عرضة بالفعل لدورات الازدهار والكساد المنهكة "لأن أسعار السلع الأساسية من الممكن أن ترتفع أو تنخفض فجأة"، وعادة ما تؤدي سياساتها المالية إلى زيادة الأمور سوءا على سوء. عندما تفضي الزيادات في أسعار السلع الأساسية إلى تعزيز النمو بمقدار نقطة مئوية واحدة، على سبيل المثال، تعمل الحكومات على زيادة الإنفاق على نحو يؤدي إلى تعزيز النمو بمقدار 0.2 إضافية من النقطة المئوية. في عموم الأمر، في أوقات الرخاء، تميل السياسة المالية إلى زيادة نشاط الاقتصاد. وفي أوقات الشدة، يؤدي هذا إلى تعميق الركود. وتزداد قوة "مسايرة التقلبات الدورية" على هذا النحو بنسبة 30 في المائة في الاقتصادات النامية المصدرة للسلع الأساسية مقارنة باقتصادات نامية أخرى. كما تميل السياسات المالية إلى أن تكون أكثر تقلبا بنسبة 40 في المائة في هذه الاقتصادات مقارنة بالاقتصادات النامية الأخرى. تكون النتيجة إعاقة مزمنة لآفاق نموها. ومن الممكن الحد من هذا التراجع من خلال ـ بين أمور أخرى ـ إنشاء أطر مالية لتنظيم الإنفاق الحكومي، وتبني أنظمة أسعار صرف مرنة، وتجنب القيود المفروضة على تحركات رأس المال الدولية. إذا طبقت هذه التدابير السياسية كحزمة واحدة، فستحقق الاقتصادات النامية المصدرة للسلع الأساسية زيادة في نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة نقطة مئوية واحدة كل أربعة إلى خمسة أعوام. حتى الآن، كانت عشرينيات القرن الحالي فترة من الوعود المنقوضة التي لم تتحقق. لقد فشلت الحكومات في تحقيق الأهداف "غير المسبوقة" التي وعدت بتحقيقها بحلول: القضاء على الفقر والجوع في كل مكان، ومكافحة التفاوت داخل الدول وفيما بينها، وضمان الحماية الدائمة للكوكب وموارده الطبيعية. لكن 2030 لا يزال يفصلنا عنه أكثر من نصف عقد من الزمن. وهذه فترة طويلة بالقدر الكافي لتمكين الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من استعادة الأرض المفقودة. وتحرك الحكومات على الفور لتنفيذ السياسات اللازمة من شأنه أن يعطي الجميع سببا للاحتفال. خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2024.
مشاركة :