بعد الطفرة النفطية في منتصف العقد السابع من القرن الماضي بدأت دول مجلس التعاون تبحث عن الكيفية التي يمكن بها استثمار فوائضها النفطية (البترو دولار) الضخمة وذلك لغرض تنويع مصادر الدخل وبناء قاعدة إنتاجية صلبة. كانت هناك خيارات متعددة أمام حكومات دول المجلس منها مثلا الاستثمار في التنمية البشرية لهدف تكوين قاعدة بشرية قادرة على العمل والإنتاج وإدارة المشاريع الاستثمارية بإنتاجية عالية. ويصاحب ذلك الاستثمار في البنية التحتية لهدف خلق بيئة استثمارية قادرة على جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية للاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الصادرات وخفض الواردات وزيادة دوران رأس المال داخل الاقتصاد، وهذا بدوره سيخلق فرص عمل للمواطنين ويحقق التنمية المستدامة. وبعد البحث والتفكير وجدت دول المجلس ضالتها في الصناديق السيادية لاستثمار جل فوائضها المالية في الأسواق المالية العالمية، وذلك لهدف تنويع القاعدة الإنتاجية. فكانت البداية في الكويت، إذ تعد الهيئة العامة للاستثمار (الصندوق السيادي الكويتي) أول صندوق للثروة السيادية ليس في الخليج فحسب بل في العالم، فقد تأسس عام 1953. ولكن نشاطه الاستثماري ازداد بشكل فعلي بعد الطفرة الكبيرة في العائدات النفطية نتيجة لارتفاع أسعار النفط في منتصف العقد السابع من القرن الماضي. وبعد الكويت أنشأت المملكة العربية السعودية صندوقها السيادي عام 1971، ثم الإمارات عام 1976 ثم قطر عام 2005 والبحرين وعمان عام 2006. سبعة من الصناديق السيادية العالمية تعود ملكيتها إلى الإمارات، بينما تمتلك السعودية وعمان 4 صناديق بواقع صندوقين لكل منهما. وتعود ملكية ثلاثة صناديق إلى دول الكويت، والبحرين، وقطر. تصنف الصناديق السياديَّة الخليجية ضمن الصناديق المؤثرة عالميا، فهي الأضخم على مستوى العالم، من حيث حجم الاستثمارات وتنوعها وانتشارها. لقد نمت هذه الصناديق بقوة خلال العقد الماضي، نتيجة لارتفاع أسعار النفط الذي وصل إلى 140 دولارا للبرميل. وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن الدور التنموي لهذه الصناديق الخليجية خاصة في عملية تنويع مصادر الدخل لا يزال دون المستوى. فبالرغم من دورها المؤثر في الاقتصاد العالمي إلا أن هذه الصناديق ليس لها دور مؤثر في العملية التنموية وغير قادرة على الإسهام في تنويع القاعدة الإنتاجية في الاقتصاد الخليجي. فإن هذه الصناديق تستثمر معظم أموالها في الأسواق العالمية وبالتحديد في الاقتصاد الأمريكي والأوروبي وقليل منها يستثمر في الأسواق الخليجية. تنحصر فائدتها في الاقتصاد الخليجي من عائداتها المالية فقط وليس العائد الاقتصادي، أي أن هذه الصناديق تمثل مصدر دخل للدولة وليس مصدراً لتنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل للمواطنين. كما أنه ونظرا إلى ضخامة أموالها فقد أصبحت تلك الصناديق تلعب دورا مهما في الاقتصاد العالمي، حيث تقوم بدور المحرك لأسواق الأسهم والسندات والعقارات والشركات العالمية. ما جذب اهتمام حكومات الدول التي تستثمر فيها تلك الصناديق السيادية مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي بدأت تشدد الرقابة على حركة استثماراتها كما أخذت ترصد وتقيم أداءها الاستثماري ومدى تأثيرها على النظام الاقتصادي وكذلك الحياة السياسية في تلك الدول. يتطلب من هذه الصناديق دعم تنمية الاقتصادات المحلية من خلال تطوير وإنشاء المشاريع الصناعية وبناء قدرات بحثية، وتوجيه استثماراتها إلى الداخل في مشاريع تنموية. كما أنه ولكون هذه الأموال هي مدخرات قومية تخص كافة أفراد المجتمع ويعتمد عليها الاقتصاد الوطني لتنويع مصادر الدخل ، ولضمان نجاح هذه الصناديق السيادية، ينبغي أن يكون قرار الإنشاء مبني على دراسات شفافة تناقش الكيفية التي يمكن من خلالها تحقيق العائد الأمثل. بهذه الهيكلية وبهذه الاستثمارات لا يمكن للصناديق السيادية الخليجية أن تلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية الخليجية.
مشاركة :