تتعاقب على نحو لافت المقاربات الفكرية والإيديولوجية حول ما يسمى الإسلاموفوبيا في الغرب، وأحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 لم تكن البداية بقدر ما كانت مناسبة لإثارة الهاجع والمسكوت عنه لدى من تصوروا أن الحضارات والأديان أصبحت في صراع على مستوى الكون. ورغم تعدد المقتربات والزوايا التي تتعلق بهذا الشجن إلا أن إجمالها في نمطين قد يفي بالغرض ويقدم بانوراما مختصرة. المقاربات الاستشراقية التقليدية تستخدم المنهج ذاته والأدوات ذاتها، لتكرر ما قيل مراراً عن التهديد الإسلامي وهي وريثة لأطروحات عمرها أكثر من ثلاثة قرون، انطلقت من أسس عنصرية وعرقية، ولوت عنق التاريخ كله وليس هذه الواقعة أو تلك منه كي يستجيب لأحكامها وفتاواها المطلقة، ولأنها كذلك فهي ليست مرشحة أو مؤهلة للتبشير بالسلم الأهلي وبإمكانية تعايش الثقافات بدلاً من صراعها، وأي حوار مع تلك الأطروحات لن ينتهي إلى نتيجة، لأنها لا تحتكم إلى المنطق والتاريخ وما آل إليه التطور البشري في الألفية الثالثة. إنها بعكس مقاربات أخرى محررة إلى حد بعيد من الإرث الاستشراقي في الحقبة الاستعمارية، يحاول أصحابها فهم ما يجري، لأنهم لا يعتقدون بأن هناك طبائع ثابتة للبشر وأنهم في نهاية المطاف نتاج تربويات وثقافات وظروف تختلف بين مكان وآخر. ولو أردنا اختيار مثال منها فهو ما كتبه من قبل ويستمر في كتابته الآن الن غريش الرئيس الأسبق لصحيفة اللوموند دبلوماتيك الفرنسية. فالرجل يبحث عن جذور المشكلات وفي مقدمتها ظاهرة الإرهاب، وينتقد بقوة الأحياء الشعبية الفقيرة في مدن أوروبا بدءاً من باريس، فهي أحياء مهملة تعج بالمهاجرين من الفقراء والمرضى والذين لم ينالوا حقهم من التعليم والرعاية. وفي كتابه الصادر حديثاً بعنوان الإسلام والجمهورية والعالم يذكرنا بأحداث العنف التي شهدتها ضواحي باريس قبل عشرة أعوام، ويرى أن ما دفع إلى ذلك لا يزال قائماً، فالعنف ليس عديم الجذور والأسباب، والمجتمعات هي التي تنتجه أحياناً، خصوصاً حين لا تلتفت إلى إصلاح بيئات عشوائية قابلة لأن تصبح حاضنات للعنف.
مشاركة :