توفيت المهندسة المعمارية العراقية البريطانية زها حديد الحائزة جائزة بريتزكر عام 2004، أرقى جوائز الهندسة، أمس عن 65 عاماً إثر إصابتها بأزمة قلبية في مستشفى بميامي بالولايات المتحدة كما أعلن مكتبها في لندن. وهي أول امرأة في العالم تحوز هذه الجائزة الرفيعة التي تعادل الحصول على نوبل، بحسب المختصين في هذا المجال. وُصفت زها حديد بأنها مشهورة ليس فقط بالمباني التي أنجزتها، بل بتلك التي لم تنجزها أيضاً، وظلت مرسومة ومنشورة في صور جميلة لمبانٍ عظيمة وأفكار استثنائية لم تنفذ، ولولا شخصيتها القوية التي تتسم بها لما أمتعت العالم وجمّلته وأبدعت فيه بتصاميم مدهشة استبعدت منها نقاط الضعف وتمتعت فيها بقوتها وقدرتها كصانع لمجموعة من أجمل تشكيلات ومنحوتات العمارة في العصر الحديث. ولدت حديد في بغداد سنة 1950، حين كان العراق في الخمسينات موطن الثراء الأدبي والغنى الثقافي، وكان الاقتصاد ينمو على نحو متسارع. وتربت حديد في بيت سياسي من الطراز الأول، فقد كان والداها محمد حديد وزير المالية العراقي الأسبق رجل سياسة واقتصاد وصناعة، ينتمي إلى عائلة برجوازية عريقة. أما تعليمها، فقد التحقت حديد بمدرسة داخلية في بغداد، ثم انتقلت لأخرى في سويسرا. وأكملت الدارسة الجامعية في لبنان، حيث حصلت على درجة في الرياضيات من الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1971. وحاصلة على وسام التقدير من ملكة بريطانيا، وتخرجت عام 1977 في الجمعية المعمارية AA أو Architectural Association بلندن، كما عملت كمعيدة في كلية العمارة عام 1987، وانتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في أوروبا والولايات المتحدة منها هارفرد وشيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل. بدأت حديد تصميماتها الفعلية حينما نفذت مشروع تخرجها فندقاً في لندن على جسر هانجرفورد، وصممته ليوحي بأنه مبنى على وشك الإقلاع والإفلات من جاذبية الأرض. تبدو حديد وكأنها تنتمي لعالم الخيال العلمي فتصميماتها توحي بأنها من كوكب آخر. لكن ذلك لا يمنع أنها متأثرة بملامح العمارة الإسلامية التي تعتمد على إبراز قيمة الظل والضوء في المكان، وهو تقليد عريق في فن العمارة الإسلامية. في بداية مشوارها، كان يبدو للجميع ممن يرى أعمال زها المصممة على الورق أنها مستحيلة التحقيق والتبني، وظل الأمر كذلك حتى تبنت شركة في هونج كونج تصميمها لمنتجع القمة. ولكن الأمر لم يكتمل للأسف، وظلت حديد بعد ذلك عشرة أعوام حتى صممت مبنى آخر. وقال أحد النقاد عنها: جميع تصميماتها في حركة سائبة لا تحددها خطوط عمودية أو أفقية، إنها ليست عمارة المرأة؛ فهي فنانة مرهفة تقدم ما تشعر به من تأثير التطور التقني والفني في جميع اتجاهاته في عالم أصبح قرية صغيرة، أيضاً قال عنها المعماري العالمي أندرياس روبي: مشاريع زها حديد تشبه سفن الفضاء تسبح من دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، ليس فيها جزء عالٍ ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر، فهي مبانٍ في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، ومن مرحلة الفكرة الأولية لمشاريع زها إلى مرحلة التنفيذ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة. عاد سوء الحظ مرة أخرى ليقابل حديد مع مبنى الأوبرا في كارديف، حيث فاز تصميمها الذي يحمل اسم العقد الكريستالي في مسابقة دولية لتصميم دار الأوبرا الجديدة في عاصمة ويلز. ولكن تنفيذه كان مستحيلاً لسببين، فهو لم يجد دعماً مادياً كافياً. كما لقي تصميم حديد معارضة شديدة من السياسيين في كارديف التي تتميز بطبيعتها المحافظة ثقافياً ومعمارياً، بينما جاء تصميم حديد وكأنه سقط عليهم من الفضاء. ولكن مثل هذه الإخفاقات كانت بمثابة الطريق إلى النجاح الكبير، فبعد أن نفذت مشروع مركز الفن المعاصر في سينسيناتي أسكتت حديد كل الألسن التي كانت تزعم أن تصاميمها مجرد خيال جميل على الورق. من أشهر مشاريع حديد وأكثرها غرابةً وإثارة للجدل مرسى السفن في باليرمو في صقلية، والمركز العلمي لمدينة وولفسبورج الألمانية، وكذلك المسجد الكبير في ستراسبورج، ومنصة التزحلق الثلجي في أنزبروك، والاستاد الأولمبي في لندن، وفي المنطقة العربية أبدعت حديد جسر الشيخ زايد في أبوظبي، و تصميم متحف الفنون الإسلامية في الدوحة. وتتعدد أعمالها لتشمل الكثير من المباني ذات التصميمات الفريدة مثل، مركز حيدر عليف في باكو، ومركز الفنون الحديثة بروما، ومنصة التزحلق في أنسبروك، ومركز العلوم في ولسبورج بألمانيا، ومحطة قطار ستراسبورج بألمانيا، مشروع القبة الألفية، لندن، محطة إطفاء الحريق بألمانيا، مشروع محطة البواخر في ساليرنومركز روزنثال للفن المعاصر في مدينة سينسيناتي بأمريكا، وكانت بذلك أول متحف تصممه امرأة في أمريكا، ومتحف راينهولد ميسنر في إيطاليا. قرقاش: إبداع يعيش بيننا كتب الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، عبر حسابه على تويتر، ينعى رحيل حديد، قائلاً: إبداع المعمارية الراحلة زها حديد، يعيش بيننا، عبر جسر الشيخ زايد في أبوظبي. حياة منتجة وخلاّقة، وعطاء غيبه الموت، ندعو لها بالمغفرة والرحمة. جسر الشيخ زايد في أبوظبي يعد جسر الشيخ زايد تحفة معمارية من إبداع زها حديد، وتطلب الأمر بناؤه لإنشاء طريق جديد حول شاطئ الخليج الجنوبي لربط الإمارات بعضها ببعضاً. ففي عام 1967 بُني جسر من الحديد لربط مدينة أبوظبي (المبنية على جزيرة ) باليابسة، وفي السبعينات تم بناء الجسر الثاني لربط الجزء الجنوبي من الجزيرة. وفي عام 1997 فازت زها حديد في مسابقة تصميم هذا الجسر. وتبدو الفكرة التصميمية للجسر في تجميع مجموعة من جدائل الإنشاء في شاطئ واحد، وهي ترتفع وتندفع فوق القناة. والجسر عبارة عن منحنى يشبه شكل الموجة. ويرتفع العقد الأساسي للجسر نحو 60 متراً فوق مستوى البحر. وظهر الطريق معلقاً، وترتفع عقود من الحديد من أعمدة خرسانية بشكل غير متماثل في اتجاه طول الطريق، ويتخذ شكل موجة. جوائز وإنجازات تسنّى لزها حديد أن تحصل على شهادات تقديرية من أساطين العمارة مثل الياباني كانزو تانك، وقفز اسمها إلى مصافّ فحول العمارة العالمية، من خلال إبداعها وجوائزها الفريدة؛ إذ حصلت على جائزة بريتزكر المشهورة في مجال التصميم المعماري، التي تعادل قيمتها قيمة جائزة نوبل، وبذلك تصبح زها أول امرأة تفوز بها منذ بدايتها التي يرجع تاريخها لنحو 25 عاماً، كما أنها أصغر من فاز بها سناً وكان ذلك عام 2004. وفازت بأرفع جائزة نمساوية عام 2002، حيث حصلت على جائزة الدولة النمساوية للسياحة، واختيرت زها كرابع أقوى امرأة في العالم في 2010 بحسب تصنيف مجلة التايمز، وحصلت على وسام التقدير من الملكة البريطانية، واختيرت كأفضل الشخصيات في بريطانيا عام 2012، ومنحت وسام الشرف الفرنسي في الفنون والآداب برتبة كوموندور، وسمتها اليونيسكو فنانة للسلام، وأعلن المعهد الملكي البريطاني للهندسة المعمارية عن فوز المعمارية زها حديد بالميدالية الذهبية للعمارة لعام 2016، وأصبحت المعمارية العراقية زها، أول امرأة تحصل على هذه الجائزة التي هي أعلى تكريم يقدمه المعهد الملكي البريطاني؛ اعترافاً بالإنجاز التاريخي في مجال الهندسة المعمارية.
مشاركة :