إياس‮ بن معاوية.. مضرب المثل في الذكاء من أعلام القضاء

  • 4/1/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قاض حكيم ملأ الدنيا بأحكامه العادلة وعالم جليل ملأ الدنيا بعلمه‮ ‬، وفضله‮ ‬، فقد عرف بقوله الحق، ‮ ‬وكلمة الصدق‮ ‬، وكان له الدور الرائد والمؤثر في‮ ‬الكثير من القضايا، ‮ الأمر الذي جعله علامة بارزة في مجال القضاء والفتوى، وقد ‬أولى ‬اهتماماً كبيراً بالقضايا التي‮ ‬تهم المسلمين‮، ‬وكانت له أحكام في‮ ‬مختلف الموضوعات، ‮ ‬ودعا دوماً إلى ‬الإحسان والعدل. إنه إياس بن معاوية بن قرة المزني، ‮ ‬أبو واثلة‮: ‬قاضي‮ ‬البصرة، ‮ ‬وأحد أعاجيب الدهر في‮ ‬الفطنة والذكاء‮.‬ ‮‬يصف الزركلي في‮ ‬كتابه‮ ‬الأعلام‮ ‬القاضي‮ ‬إياس فيقول‮: ‬يضرب المثل بذكائه قيل له‮: ‬ما فيك عيب‮ ‬غير أنك معجب‮! ‬فقال‮: ‬أيعجبكم ما أقول ؟ قالوا‮: ‬نعم، ‮ ‬قال‮: ‬فأنا أحق أن أعجب به‮. ‬ودخل مدينة واسط فقال لأهلها بعد أيام‮: ‬يوم قدمت بلدكم عرفت خياركم من شراركم، ‮ ‬قالوا‮: ‬كيف ؟ قال‮: ‬معنا قوم خيار ألفوا منكم قوماً، ‮وقوم شرار ألفوا قوماً، ‮ ‬فعلمت أن خياركم من ألفه خيارنا وكذلك شراركم‮.‬ ‮‬وقال الجاحظ‮: ‬إياس من مفاخر مضر ومن مقدمي‮ ‬القضاة، ‮ ‬كان صادق الحدس، ‮ ‬نقاباً، ‮ ‬عجيب الفراسة، ‮ ‬ملهماً وجيهاً عند الخلفاء‮. ‬وللمدائني‮ ‬كتاب سماه‮ (‬زكن إياس‮). ‮‬ويقول الصفدي‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ ‬الوافي‮ ‬بالوفيات‮: ‬إياس بن معاوية أحد الأعلام‮. ‬روى عن أبيه وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وغيرهم، ‮روى له مسلم وابن ماجه. ‬وتوفي في واسط‮ ‬سنة إحدى وعشرين ومئة‮. ‬روى له مسلم شيئاً‮ ‬في‮ ‬مقدمة الكتاب والبخاري‮ ‬تعليقاً‮. ‬قال عبد الله بن شوذب‮: ‬كان‮ ‬يقال‮: ‬يولد كل عام بعد المائة رجل تام العقل‮. ‬وكانوا‮ ‬يرون إياس بن معاوية منهم‮. ‬وكان أحد من‮ ‬يضرب به المثل في‮ ‬الذكاء والرأي‮ ‬والسؤدد والعقل، ‮ ‬وأول ما ولي‮ ‬القضاء ما قام حتى قضى سبعين قضية وفصلها‮. ‬ بين إياس والقاسم ‮ ‬وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قد ولاه القضاء، حيث كتب إلى نائبه بالعراق عدي‮ ‬بن أرطاة أن اجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة الحرشي، ‮ ‬فول قضاء البصرة أنفذهما، ‮ ‬فجمع بينهما فقال له إياس‮: ‬أيها الأمير، ‮ ‬سل عني‮ ‬وعن القاسم فقيهي‮ ‬المصر الحسن البصري‮ ‬ومحمد بن سيرين‮، ‬وكان القاسم‮ ‬يأتيهما وإياس لا‮ ‬يأتيهما، ‬فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا به، ‮ ‬فقال له‮: ‬لا تسأل لا عنه ولا عني، ‮ ‬فو الله الذي‮ ‬لا إله إلا هو، ‮ ‬إن إياس بن معاوية أفقه مني‮ ‬وأعلم بالقضاء، ‮ ‬فإن كنت كاذباً‮ ‬فما‮ ‬يحل لك أن توليني، ‮وإن كنت صادقاً‮ ‬فينبغي‮ ‬لك أن تقبل قولي‮. ‬فقال له إياس‮: ‬إنك جئت برجلٍ‮ ‬أوقفته على شفير جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبةٍ‮ ‬يستغفر الله منها وينجو مما‮ ‬يخاف‮. ‬فقال عدي‮ ‬بن أرطاة‮: ‬أما إذ فهمتها فأنت لها، ‮ ‬فاستقضاه‮.‬ ‮‬وقال إياس‮: ‬ما‮ ‬غلبني‮ ‬قط سوى رجل واحد، ‮ ‬وذاك أني‮ ‬كنت في‮ ‬مجلس القضاء بالبصرة فدخل علي‮ ‬رجل شهد عندي‮ ‬أن البستان الفلاني‮. ‬وذكر حدوده هو ملك فلان، ‮ ‬فقلت له‮: ‬كم عدد شجره؟ فسكت ثم قال‮: ‬منذ كم‮ ‬يحكم سيدنا القاضي‮ ‬في‮ ‬هذا المجلس؟ فقلت‮: ‬منذ كذا‮. ‬فقال‮: ‬كم عدد خشب سقفه؟ فقلت له‮: ‬الحق معك‮! ‬وأجزت شهادته‮. ‬ القطيفة والشجرة ‮‬وتحاكم إليه اثنان فقال أحدهما‮: ‬إني‮ ‬نزلت إلى النهر لأستحم ولي‮ ‬قطيفة خضراء جديدة وضعتها على جانب النهر، ‮ ‬وجاء هذا وعليه قطيفة حمراء عتيقة فوضعها ونزل الماء، ‬ولما طلعنا سبقني‮ ‬وأخذ القطيفة الخضراء‮. ‬فقال‮: ‬ألكما بينة؟ فقالا‮: ‬لا‮. ‬فأمر بمشط فحضر فمشطهما به، ‮ ‬فلما فعل ذلك خرج الصوف الأخضر من رأس صاحب القطيفة الخضراء فأمر له بها‮.‬ ‮‬ويمتدح ابن خلّكان، ‮ ‬القاضي‮ ‬إياس بن معاوية في‮ ‬كتاب‮‬وفيات الأعيان‮ ‬فيقول‮: ‬هو السن البليغ‮ ‬والألمعي‮ ‬المصيب، ‮والمعدود مثلاً‮ ‬في‮ ‬الذكاء والفطنة، ‮ورأساً لأهل الفصاحة والرجاحة‮. ‬كان صادق الظن لطيفاً‮ ‬في‮ ‬الأمور، ‮ ‬مشهوراً‮ ‬بفرط الذكاء، ‮ ‬وبه‮ ‬يضرب المثل في‮ ‬الذكاء، ‮وإياه عنى الحريري‮ ‬في‮ ‬المقامات‮ ‬بقوله في‮ ‬المقامة السابعة‮: ‬فإذا ألمعيتي‮ ‬ألمعية ابن عباس، ‮وفراستي‮ ‬فراسة إياس. ‮‬وحدث المدائني‮ ‬عن أبي‮ ‬محمد القرشي‮ ‬قال‮: ‬استودع رجل رجلاً‮ ‬مالاً‮ ‬ثم طلبه فجحده، ‮ ‬فخاصمه إلى‮ ‬إياس، فقال الطالب‮: ‬إني‮ ‬دفعت إليه المال، ‮ ‬قال‮: هل من شيء كان في‮ ‬ذلك الموضع؟ قال‮: ‬شجرة، ‮ ‬قال‮: ‬فانطلق إلى ذلك الموضع وانظر إلى الشجرة فلعل الله تعالى‮ ‬يوضح لك هناك ما‮ ‬يبين به حقك لعلك دفنت مالك عند الشجرة ونسيت فتذكر إذا رأيت الشجرة‮. ‬فمضى الرجل وقال إياس للمطلوب‮: ‬اجلس حتى‮ ‬يرجع خصمك، ‮ ‬فجلس وإياس‮ ‬يقضي‮ ‬بين الناس وينظر إليه ساعة، ثم قال‮: ‬يا هذا، ‮أترى صاحبك بلغ‮ ‬موضع الشجرة التي‮ ‬ذكر؟ قال‮: ‬لا، ‮ ‬قال‮: ‬يا عدو الله، ‬إنك لخائن‮! ‬قال‮: ‬أقلني‮ ‬أقالك الله، ‮فأمر من‮ ‬يحتفظ به حتى جاء الرجل فقال له إياس‮: ‬قد أقر بحقك فخذه منه‮.‬ نبوغ مبكر ‮‬وروى المسعودي‮ ‬في‮ ‬شرح المقامات الحريرية‮: ‬إن الخليفة العباسي المهدي‮ ‬لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي‮ ‬وخلفه وقدامه أربعمائة طيلسان من العلماء وغيرهم، ‮ ‬فقال المهدي‮: ‬أف لهذه العثانين، ‮أما كان فيهم شيخ‮ ‬يتقدمهم‮ ‬غير هذا الحدث؟ ثم قال له المهدي‮: ‬كم سنك؟ فقال‮: ‬سني‮ ‬أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً‮ ‬فيهم أبو بكر وعمر رضي‮ ‬الله عنهما‮. ‬فقال‮: ‬تقدم، ‮ ‬بارك الله فيك‮! ‬وكان سنة سبع عشرة سنة‮. ‮‬وقال إياس في‮ ‬العام الذي‮ ‬مات فيه‮: ‬رأيت في‮ ‬المنام كأني‮ ‬وأبي‮ ‬على فرسين فجريا معاً‮ ‬فلم أسبقه ولم‮ ‬يسبقني، ‮ ‬وعاش أبي‮ ‬ستاً‮ ‬وسبعين سنة ‬وأنا فيها‮. ‬فلما كان آخر لياليه قال‮: ‬أتدرون أي‮ ‬ليلة هذه؟ استكملت فيها عمر أبي‮! ‬ونام فأصبح ميتاً‮.‬

مشاركة :