مسجد النبي دانيال.. صرح تحيطه الحيرة

  • 4/1/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يعكس مسجد النبي دانيال الكائن في قلب المنطقة التجارية بمدينة الإسكندرية المصرية، نموذجاً للأساطير الشعبية التي لا تزال تسيطر على عقول الملايين من البسطاء في مصر. والمسجد الذي يرجع تاريخ إنشائه إلى القرن السابع عشر الميلادي، ويعد من أوائل المساجد التي شيدت في مصر، تحول من مجرد مسجد لإقامة الشعائر في الإسكندرية إلى مقصد للزوار والباحثين في علوم التاريخ والآثريين أيضاً، في محاولات لم تنقطع للوصول إلى الحقيقة وراء تسمية المسجد. وما يثير الحيرة بحق، هو أن العديد من الدراسات التاريخية الموثوقة تذهب جميعها إلى أن نبي الله دانيال، وهو أحد أنبياء بني إسرائيل، مات ودفن في بابل قبل ثلاثة قرون من ظهور الإسكندر الأكبر، الذي يرجع إليه بناء مدينة الإسكندرية، وهي الحقيقة التي تطرح دائماً ذلك السؤال المحير حول حقيقة مرقد النبي دانيال، ومسجده الذي يحمل اسمه في مدينة الثغر المصرية. الأكثر إثارة في الأمر، هو أن تلك الأسطورة لم تشغل الباحثين في مصر فقط، لكنها دفعت الأمير عمر طوسون، حفيد محمد سعيد باشا أحد حكام الأسرة العلوية في مصر، إلى البحث والتنقيب عن سر التسمية، ومما يروى في ذلك أنه كلف العلامة حسن عبدالوهاب، الذي كان يعد أحد أهم مؤرخي المساجد الإسلامية في النصف الأول من القرن العشرين، ببحث وتقصي الحقائق حول هذه الأسطورة. وأجرى المؤرخ الكبير حينذاك العديد من الحفائر في المقبرة الموجودة داخل المسجد، ليكتشف أن الضريح الذي يقال إنه يخص النبي دانيال، هو في الأصل مقبرة من بين نحو ألف مقبرة موجود أسفل بناء المسجد، وهو ما كان يقول بوضوح إن المنطقة كانت تضم جبانة إسلامية يصل عمرها إلى نحو ألف عام. عاش النبي دانيال حسبما تشير المصادر التاريخية الإسلامية في مطلع القرن السابع قبل ميلاد المسيح، وعندما غزا الملك البابلي نبوخذنصر القدس، وساق أمامه أغلب بني إسرائيل إلى بلاده ليعيشوا هناك عبيداً وأسرى، وهي الفترة المعروفة بالسبي البابلي، كان دانيال من بينهم. ويقول الطبري في تاريخ الرسل والملوك، إن دانيال كان يتمتع بمكانة خاصة داخل بلاط نبوخذنصر، بسبب قدرته على تفسير الأحلام. ويضيف الطبري أنه ظل يتمتع بهذه الرعاية الملكية حتى عاد وقومه إلى بيت المقدس، ليعتزل الحياة العامة، ويعكف، حسبما تقول الرواية القبطية، على كتابة تاريخ حياته في سفر يحمل اسمه ضمن أسفار العهد القديم. وربما تكون الرواية التي أوردها ابن حجر العسقلاني هي الأقرب للصحة، فهو يرجع تسمية المسجد إلى الشيخ محمد دانيال الموصلي، وكان أحد فقهاء المذهب الشافعي. ويقول إن دانيال الموصلي قدم إلى الإسكندرية في نهاية القرن الثامن الهجري، واتخذ من المسجد مكاناً لتدريس أصول الفقه على منهج الشافعية، وأنه ظل ملازماً له حتى وفاته في عام 810 للهجرة، فدفنه تلاميذه في مقبرة بزاوية من زوايا المسجد، وهي الضريح الذي يزوره الناس الآن، باعتباره مقام النبي دانيال. وكان مسجد النبي دانيال عبارة عن مسجد صغير لا يتسع لعدد كبير من المصلين، حتى جدده محمد علي باشا ووسعه. ويقول علي باشا مبارك في كتاب الخطط التوفيقية: إن عملية التجديد شملت بناء مدفن للعائلة الخديوية في زاوية من زوايا المسجد، وإن هذا المدفن يضم رفات محمد سعيد باشا، ونجله طوسون، وآخرين من أبناء الأسرة العلوية. ما يزيد الحيرة بحق، هو تلك النتائج التي انتهى إليها عالم الآثار والمؤرخ الكبير حسن عبدالوهاب قبل نحو قرن من الزمان، فقد انتهت الحفائر بين ما انتهت إلى أسئلة لا تقدم جواباً، حيث عثر المنقبون حينذاك على مقبرة تنخفض عن سطح الأرض بمقدار ثلاثة أمتار تضم تابوتاً خشبياً كبيراً مكتوباً عليه قبر النبي دانيال يجاوره تابوت آخر أصغر منه مكتوب عليه، قبر الحكيم لقمان. وعندما واصل المنقبون الحفر تحت التابوتين وجدوا حفرة حديثة الردم تضم مجموعة من شواهد القبور، وهو ما كان يؤشر إلى أن هذه البقعة استعملت كمقبرة إسلامية منذ ألف سنة على أقل تقدير، خاصة أن العديد من شواهد القبور كانت تضم كتابات بالخط الكوفي، يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الهجري. ويرجع الكثير من المتخصصين في الآثار الإسلامية تسمية المسجد بهذا الاسم إلى عادة مصرية قديمة، مشيرين إلى أن المصريين كانوا دائماً ما يطلقون أسماء الأنبياء والرسل على مساجدهم.

مشاركة :