بقلم : علاء عبدالحي ملا منذ بدايات الثورة الصناعية ثم الثورة المعلوماتية في القرن العشرين ثم القرن الواحد والعشرين أفرز الفكر الإجرامي في الغرب فكرة تزوير الشهادات بطباعة اسم ما وتخصص ما على ورق شهادات وختمها باختام مزورة على أنها من جامعات معترف بها، وذلك مقابل مبلغ باهظ؛ وكان كشف هذه الجريمة سهلاً من خلال التواصل مع الجامعة الحقيقية لتكتشف أن هذا الطالب لم يكن من خريجيها؛ ومن أشهر قصص تزوير الشهادات هي قصة ابنة أحد المتنفذين الكبار جدًا جدًا في إحدى الدول، والتي قامت بتزوير شهادة لها من جامعة لبنانية؛ ولكن تم كشفها من قبل بطل تمت مكافأته بـإيقافه عن العمل والتحقيق معه!. ومع التطور العلمي والتقني استمر الفكر الإجرامي في التوغل حتى وصل إلى ابتكار الجامعات الوهمية غير الموجودة أصلاً، وذلك من خلال تصميم شعار واسم جامعة جديد غير مستخدم من ذي قبل، وإعداد موقع إلكتروني لها مع وصفها بأنها جامعة تقدم التعليم عن بعد دون أن يكون لها مجلس أكاديمي أو أعضاء هيئة تدريس أحيانًا يكون الموظف الوحيد هو صاحب الموقع، ودون أن تكون معتمدة من أي دولة في العالم! واعتمادها الوحيد الذي تتكئ عليه هو تصديق وزارة الخارجية السعودية الذي يشبه تصديق الغرفة التجارية دون أدنى مسئولية عن محتوى الوثيقة!. وهذه النوعية من المواقع الإلكترونية التي تسمي نفسها جامعات ازدهرت مع بداية عصر الإنترنت وأصبحنا نشاهد إعلاناتها يوميًا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني؛ وقامت بالتوازي معها بعض الجامعات الحقيقية في الدول العربية بإعداد برامج لمنافسة الجامعات الوهمية مخصصة للسعوديين والخليجيين، وذلك لبيع شهادات لهم من مراكز أو معاهد تابعة لهذه الجامعات أو من الجامعات نفسها، وذلك لمنحهم ألقابًا أكاديمية تصل إلى الدكتوراه دون أن يدرس الوهمي بمقر الجامعة أو يزور هذه الدولة أصلاً ومن أمثلتها جامعات بالسودان ومصر، حيث كانت هناك جامعات تمنح الدرجة الأكاديمية خلال الإجازة الصيفية، وقد أوقفت وزارة التعليم العالي معادلة هذه البرامج تمامًا!. ثم كان تطور الجامعات الوهمية من خلال فتح دكاكين لها حيث تغلغلت في بلادنا الحبيبة عبر بوابة جدة ثم الرياض وصولاً إلى حائل وغيرها من المدن، وذلك تحت غطاء معاهد كمبيوتر ولغات استمرت بالعمل دون حسيب أو رقيب لسنوات وسنوات وتبيع آلاف الشهادات لجميع الجنسيات ومنهم سعوديون، ويحمل بعضهم ألقابها إلى يومنا هذا. عاصرت شخصيًا هذه الجامعات الوهمية، بل إنني من باب الفضول ذهبت يومًا ما العام 2004 لزيارة مكتب الجامعة الوهمية الأمريكية في لندن داخل معهد كمبيوتر في مركز تجاري كبير بجدة وتظاهرت أنني أرغب بالتسجيل ورأيت بأم عيني سهولة وسرعة إمكانية حصولي على الشهادة ما دامت الفلوس كاش!. وكل من إدعى أنه حصل على الشهادة في سنة أو سنتين فقد كان بسبب تقسيطه للمبلغ وليس بسبب الأعباء الدراسية!، ثم جاءت كولومبوس الملعونة في الرياض وتفاجأت لضعف الرقابة في العاصمة! وفعلاً لم تدم كولومبوس طويلاً فقد تم إقفالها بقوة النظام كما تم إقفال بقية مكاتب الجامعات الوهمية التي كانت تحاول التغطية بوضع اسماء بعض (النافذين)على لوحاتها لمحاولة اضفاء الشرعية عليها، ومن أمثلتها ويست كلايتون، أمباسدور، بلفورد، وكان لوسم #هلكوني وعرابه د.موافق الرويلي الفضل الكبير بعد الله في إيقاظ الجميع من هذا الكابوس المخيف الذي أوصل بلادنا يومًا ما إلى المركز الثاني عالميًا بعد العراق في عدد أصحاب الشهادات الوهمية بعدد 7000 حامل شهادة وهمية!. سألني يومًا أحد الأخوة عن سبب الفساد؛ فأجبته: الشهادات الوهمية لبعض المسؤولين؛ وسألني عن سبب مشكلة الغرق بالسيول؛ فأجبته: الشهادات الوهمية لمهندسي مقاولي الأمانات، وسألني أيضًا عن سبب سوء التعليم؛ فأجبته أيضًا الشهادات الوهمية لبعض مسئولي التعليم، وسألني ما هو سبب زيادة حالات الطلاق؛ فأجبته بأنها الشهادات الوهمية للمستشارين الأسريين؛ وسألني عن سبب التخبط في بعض الفتاوي؛ فأجبته إنها الشهادات الوهمية لبعض من يفتي! هذه قناعتي؛ فالوهم لا يتوقف بصاحبه عند شراء الشهادة الوهمية واستخدام اللقب الأكاديمي بغير حق؛ ولكن يمتد به إلى كل أمر من أمور حياته وعمله وحتى دينه؛ فتجد الوهمي يقوم بالحضور الوهمي للدوام له ولزملائه في العمل؛ كما يقوم بإعداد تقرير وهمي عن أعمال لم يقم بها؛ ثم يقوم بالإشراف على مشاريع وهمية يتم من خلالها نهب المال العام؛ وفي النهاية يقوم الوهمي بالتصريح بإنجازات وهمية! منظومة الوهم هذه تطحن كل خير في بلادنا وقد انطبق عليهم قول رسولنا الكريم : وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ ،حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. السيرة الذاتية: about.me/alaamulla تويتر: @AlaaMulla1 البريد الإلكتروني: alaa1400@hotmail.com
مشاركة :