سطا الإيرانيون في الشرق الأوسط بما فيه الكفاية، وتوسعوا في المد في التجنيد، ميليشيا وآيدلوجيا، إلى أن استفتح الملك سلمان - حفظه الله - حكمه بعاصفة أسماها «عاصفة الحزم» إذ لم يكن يتوقعها لا المعصوف بهم ولا العالم أجمع، وذلك النهج ليس بجديد على مر تاريخ حكام المملكة. حققت «عاصفة الحزم» بفضل الله، ثم بقيادة المملكة وبقية دول التحالف وتضحيات جنودها البواسل، انتصارات عسكرية كبيرة في الأراضي اليمنية، إذ كانت تلك هي عاصفة الحزم العسكرية، والتي - عرفاً - في علم السياسة تأتي إثر فشل في الدبلوماسية والمسايسة على طاولات الحوار، وتلا ذلك بفترة ليست طويلة وبعد اعتراض الإيرانيين على أحكام القضاء في الشأن السعودي الداخلي، أيضاً عصفة عاصفة حزم أخرى، ولكن كانت هذه المرة أكثر مواجهة، إذ ردت الحكومة السعودية بسحب السفراء وقطع العلاقات في شتّى مجالاتها. تلك هي العواصف التي شهدها المواطن السعودي والخليجي في السنة الأخيرة، وجميعها خطوات صائبة لا محالة، ولكنها لا تكفي أبداً لإيقاف المد الإيراني، فالمشروع مازال قائماً، بل إن الجهد والعمل سيتضاعفان، فلا حرب عسكرية ولا قطع علاقات سيوقفان هذا المد، بل إنهما من المتوقع أن يزيدا نشاط هذا المشروع، فهو مشروع ممنهج ومدستر في الأنظمة الإيرانية، ينام ويصحو المواطن الإيراني على المضي قدماً في مسار مشروعه؛ الاستراتيجيات موروثة، والخطة بمنهج علمي وبحث متقن، ودرس دقيق للمنطقة، وتجنيد فكري للمناطق التي يستهدفونها، وتفعيل جميع الوسائل الإعلامية لنصرة ذلك المشروع، في سبيل كسب وإقناع الإعلام الغربي، كل ذلك وأكثر بكثير يعده لنا العدو. على المملكة والخليج، بل وعلى العرب أجمع، أن يدركوا أنه لا توجد فرصة أرجح نجاحاً في إخماد المشروع الإيراني سوى في ظل هذه الظروف، ولكي تنجح يجب عليك تحليل المشروع وتفصيله في كل خطوة خطاها ذلك المشروع، وعدم ترك فجوات في تلك المناطق التي استغلها (كالذي حدث في اليمن ولبنان والعراق وسورية)، فيجب ملء جميع الفجوات سواء في التساؤلات الإعلامية التي يملؤها العدو نيابة عنا ويكسب ما يكسب من خلالها، أم في استغلال فجوة في العلاقات بيننا وبين حكومات وشعوب بعض الدول، أم في غيرها من الفجوات التي يستغلها العدو في تجنيد بعض الحكومات والشعوب والمؤسسات الإعلامية وضمهم إلى أدوات المشروع. يجب علينا، لنمحو المشروع الإيراني، أن نقابله بمشروع آخر ممنهج على خطوات وأهداف استراتيجية واضحة لنا ومشوشة لدى العدو، وارتباط قوي مع الإعلام الغربي أولاً وإعلام بقية دول العالم، فيجب لنجاح مشروع ما أن نوضح للعالم سياساتنا ونبررها أولاً بأول، فالصحافي الغربي عندما يلهث للبحث عن سبق صحافي يخص منطقتنا؛ سيذهب مباشرة إلى الأسرع تجاوباً معه والأكثر مرونة وصدقية، فإذا لم نكن مستعدين للتعاون معهم على هذا النهج فالعدو هو أول المستغلين له. خلاصة: مهما كان حجم القوى العسكرية، ومهما بلغت ضخامة التحالفات الدولية، التي تزول بين ليلة وضحاها، فلن تنجح في مواجهة مشروع فكري معين إلا بمشروع فكري آخر مضاد له. * كاتب سعودي.
مشاركة :