في بيت البارودي يمتزج عبق الجمال المعماري بالتاريخ والأصالة والعراقة، لتعطيه روحاً تجعل لكل جزء منه شاهداً على أحداث تاريخية عظيمة في دمشق. بني هذا البيت في حي القنوات الدمشقي بأيد سورية يحمل مجموعة من السمات التي تراكمت عبر مئات السنين فهو مبني على الطراز العثماني ومتأثر بالعمارة العربية والأوروبية. إلا أن أهمية البيت الذي ارتبط باسم صاحبه المفكر والسياسي والشاعر فخري البارودي، تجلت بأنه شهد العديد من الأحداث السياسية في تاريخ سوريا، كما كان محتضناً لأشهر المثقفين والفنانين العرب. يقول الباحث والأستاذ في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق أمين صعب لـ«البيان» إن «بيت البارودي من أجمل البيوت التقليدية خارج سور دمشق القديمة بني قبل أكثر من 200 عام، تبلغ مساحته 1800 متر مربع، ينقسم كغيره من البيوت الدمشقية المهمة إلى 3 أقسام هي السلاملك والحرملك والخدملك». وأضاف صعب أن «البيت بالأساس مبني على الطراز العثماني ويتميز باتساعه ولمساته المعمارية الجميلة، بالإضافة إلى أنه خليط من الطرز المعمارية العربية والأوروبية فهو يحمل مجموعة من السمات التي تراكمت خلال العصور فهو بيت تقليدي من الناحية الإنشائية كما أنه استلهم من الفنون الأوروبية في الزخارف والرسومات التي مازالت موجودة في قاعاته». مكونان وتفاصيل يوضح صعب أن «البيت حالياً يقسم إلى مكونين اثنين، شمالي يضم الخدملك والسلاملك ويتألف من طابقين، أرضي مؤلف من 8 غرف، والأول الذي يتضمن نحو 9 فراغات بين غرف وقاعات ولا يحتوي على قبو أو غرفة علوية (طيارة)». وتابع «تضم واجهة القسم الشمالي مدخلين شرقي يؤدي إلى قسم الخدملك التي يتضمن فسحة سماوية صغيرة، ومدخلاً شمالياً وهو المدخل الفخم لجناح السلاملك ضمن إطار من الحجر المزي يتضمن باباً خشبياً مؤطراً من الأعلى بقوس حجرية صماء، ومن الجانبين فرق في مستويات الواجهة يخلق ما يشبه الأعمدة الجانبية ضمن الجدار ترتكز عليها القوس. وقد زينت المسافة الفاصلة بين القوس والساكف بتكوين زخرفي نحتي من الرخام يتضمن عناصر نباتية تحيط بكتاب مفتوح». وقال صعب إن «القاعة الرئيسية تقع في الجهة الجنوبية من الفسحة السماوية من خلال باب خشبي ذي مصراعين بحشوات رخامية وتتميز بعناصرها الفنية المكونة». شاهد على التاريخ ويقول صعب إن «الحرملك يقع في القسم الجنوبي من بيت البارودي ويتميز باتساع فسحته واحتوائه على ايوان إضافة إلى مدخله الجنوبي من خلال درج صاعد ثم نازل إلى فسحة بسيطة يجري من خلالها الدخول لهذا القسم عبر باب الايوان وهذا أمر غير مألوف في البيوت الدمشقية، مما يشير إلى أن هذا المدخل قد لا يكون من أصل البناء وكان مدخل الحرملك الوحيد من السلاملك قبل أن يغلق هذا المنفذ عند فصل القسمين». وعن أهمية بيت البارودي، يقول صعب بأنه «يعتبر أحد البيوت الوطنية السورية وشاهداً على تاريخ العديد من الأحداث السياسية والثقافية، تمت إعارته مطلع القرن العشرين إلى الوالي العثماني في دمشق ناظم باشا وسكنه لمدة 7 سنوات حتى أنجز قصره، وفيه تأسست أول حكومة عربية سورية عام 1918 في عهد الأمير فيصل كمان كان فخري البارودي مرافقاً له حتى الاحتلال الفرنسي لدمشق عام 1920». مكانة مرموقة لم يكن لبيت فخري البارودي مكانة سياسية فحسب، بل أضفى عليه مكانة ثقافية وفنية مرموقة فضلاً عن دوره في المجال الإنساني. ويقول صعب إنه «بعد الجلاء اعتزل البارودي العمل السياسي وتفرغ لدعم الحركة الفنية في سوريا حيث ساهم في تأسيس إذاعة دمشق ونادي الموسيقى الشرقي، وكان مجدداً في السينما والمسرح والغناء، وبيته منتدى ثقافي استضاف نخبة المثقفين والفنانين العرب مثل أحمد شوقي، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، فايزة أحمد ،عمر البطش ،أمير البزق، محمد عبد الكريم وغيرهم، كما كان مرتعاً للظرافة ومستقراً لظريف دمشق حسني تللو». وأضاف صعب أن «البارودي هو من اكتشف صباح فخري ووضعه على طريق التألق ومنحه اسمه، وكان له دور كبير أيضاً في إعطاء فيروز فرصتها في الإذاعة السورية وكذلك في حفلات معرض دمشق الدولي السنوي». وتابع إن «السلطات المحلية تنبهت إلى أهمية البيت واقترحت موضوع استملاكه لغايات ثقافية واستملكت محافظة دمشق المنزل منذ سبعينيات القرن الماضي». Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :