قراءة في كتاب الحب - سعد الحميدين

  • 4/2/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

"المبدع الحقيقي هو الذي يستعين بالنصوص السابقة لإضاءة نصه وإثرائه، وتكثيفه، وهذا ما فعله رامبو، حيث استطاع أن يقدم لنا نص النصوص في أربعة سطور، وما فعله جويس حين قدم لنا كل العالم وكل التاريخ في كتاب هو : عوليس" ( ع/خ) *** أغلب ما يلج إلى نفس المتلقي للعمل الإبداعي العبارة التي تأتي تلقائية تخادنها السلاسة وعدم التكلف، وهذا ما يجده القارئ في كتابات الراحل عابد خزندار الذي عايش الحياة الثقافية في الساحة المحلية منطلقا إلى خارج الحدود بنتاجات يوزعها حسب الأمكنة المناسبة لها، فهو يقرأ كثيرا، ويكتب الكثير كذلك، ولكن كثرته ليست في العدد بل بمراعاة الكيف، فما يرى أنه يُعنى بالداخل ويهتم بالأمور المحلية تجده في المقدمة، يعرض موضوعه في طبق اسلوبي مكثف يحتوي على جوهر الموضوع ويعالجه ببساطة (المشكلة والحل)، ولا يترك الموضوع معلقا يحتار القارئ أي سبيل يسلك لكي يصل إلى النتيجة، بل سرعان ما يضع الحل في الرأي الذي يقدمه، وقد تسبب في اقتراح حلول لبعض الموضوعات التي تهم الحياة الاجتماعية، ولوجاهتها ونصاعة عرضها ساعد على المؤازرة لبعض المسؤولين الذين، كانت تأتي ردودهم على ما كان يرد في زاويته (نثار) الصغيرة حجما والكبيرة في معانيها لكونه لا يَهبُّ ويميل حيثما تميل الريح، ولا يجري وراء (يقولون)، فهو يكتب عن تجربة، ولو كلف نفسه الوقوف ومشاهدة المسألة وهو في سنه الذتي تجاوزت مرحلة التقاعد العملي من العمر، فقد توجَّه عمله لقلمه الذي نشأ وترعرع، وغذى عقله بالمعارف والعلوم، وجميعها تنطوي في روح إبداعية مشرقة. مبدع في نقده الاجتماعي وصادق فيه، ذلك النقد الذي يصوبه نحو الإصلاح والتطور ومسايرة للاستنارة النافعة التي تهم الجميع، لا فرق عنده بين الشخصيات والمناطق ف(الوطن) للجميع، وهو يكتب من أجل الوطن وما ينفعه، ولهذا حدد له مكانة مرموقة بين الكاتبين والمتلقين في كافة الموضوعات التي كان يتطرق إليها. (قراءة في كتاب الحب) كتابه الجديد القديم صدر قبل مدة يسيرة، فهو قد نشره منجما في (ملحق ثقافة اليوم) بالرياض الجريدة، مع التزامه بكتابة (نثار) زاويته اليومية الفريدة معنى ومبنى، ولن يتأتى لسواه أن يتماهى معها أو يقدم المثيل فلكل قلم خطه، ولكل فكر اسلوبه، والبصمات لا تتشابه. الكتاب عبارة عن مقالات مطولة في النقد والدراسات الأدبية والفنية، يعين عليها عمق في الفكر، واطلاع واسع على الثقافة العالمية، وقدرة عجيبة على عمل التركيبات والتحاليل الإبداعية في معمله الخاص به، ومواده التي يجنيها من الصحراء ويمزجها مع المحصور من المستورد، والمصنَّع داخليا، بفعل القراءات المتنوعة من القديم والحديث، فمن النقد اطلع ودرس كتب الأدب العربي على مر العصور من الجاهلي حتى الحديث الآني إبان حياته، ودخل في مناقشات، وتوسع في إلقاء دروس على محبي الأدب، وعرّى المدعين للنقد الحديث دون أن يجرح، وإنما يشير إلى الخطأ كمنبه أو مرشد، فاستفاد منه الكثيرون، وقد هابه وحسب له الحساب كل من أراد أن يستعرض، فكان الموجّه المفيد لمن أراد أن يدخل باب (النقد الأدبي). الكتاب (قراءة في كتاب الحب) مرجع تقرأ فيه الدراسة، والسرد، والقصيدة، والآراء المتحركة النامية نحو تطوير الثقافة العميقة، والبعد عن التسطيح، وفيه دروس مركزة تفيد المريد والمتلقي، وقد أهداه : (إلى روح والدتي، وإلى والدي، وإلى زوجتي، وإلى ابنتيّ منى وسارة). ويركز على أن كل فن وكل شيء له بداية، وكل بداية في وقتها رائعة ولكن الوقوف عند البدايات هو اللا مقبول لكونه يعني الوقوف في المكان ذاته، فالسياقات حتمية والتلاحم ضروري ولكن توسعة الدائرة أهم لكونها تعطي في الآن وتأخذ استعدادا للقادم الحتمي، وكأنه الرجوع إلى البداية الأولى كما في رأي الان روب غرييه، ويقول عابد: الكتابة الإبداعية هي التي يشترك في كتابتها الكاتب والقارئ. كتاب يستحق أكثر من وقفة لهذا سأفعل.

مشاركة :