"ما يجعل المكتبة صورة منعكسة لمالكها ليس اختيار العناوين فحسب، بل شبه الأفكار المترابطة التي ضمنها الاختيار، تجربتنا بنيت على تجارب، وذاكرتنا على ذاكرات أخرى، وكتبنا بنيت على كتب أخرى غيرتها أو أغنتها ومنحتها تقسيما زمنيا بمعزل عن تقسيم المعاجم الأدبية، لقد نسيت بأي طريقة ترتبط هذه الكتب واحدها بالآخر". (البرتو مانغويل) *** أمام هذا الكم الهائل من الإصدارات التي تنشر في العالم بين دقيقة وأخرى، هل له من أخذ بنظرة جادة؟ سؤال قد يحمل غرابة، ولكن عندما نفترض ما يقاس على العالم الآخر بأن الكتاب الواحد يصل إلى ملايين، وأن كتابا واحدا يكفي صاحبه سحابة حياته، فإن الغرابة قد تتأصل بالنسبة للعالم المسمى (بالثالثي) والمتأخر كافة، الذي فيه إذا ماطبع من الكتاب ثلاثة آلآف نسخة فإنها حالة جيدة بل ممتازة متى مانفدت تلك الكمية ولو في عام. لايزال هناك من المؤلفين من يضع الرقم (3000) في مقدمة الكتاب ذاكراً بأن هذا الرقم يمثل ماطبع كدليل على مكانة المؤلَّف الرفيعة، وعلو كعب كاتبه. يكون القبول من المؤلف والقارئ الذي علم بأن هذا الرقم قد طبع وأنه قد بيع في وقت قياسي _ هذا بالنسبة للثاليين – أما عند الآخر فإن أفشل مؤَلَّف يفوق رقمه هذا الرقم كثيرا، وهذا أمر طبيعي إذا ما استمرت حالة الكتاب (العربي) كما هي على حالتها الراهنة. حصار من عدة جهات، ولا يمكن لسوق أن تقبل كل المؤلفات العربية. حتى أصحاب دور النشر قد حددو مناطق عملهم ومساحاتهم، فهم يطبعون على قدر المساحة المتاحة، إذا استثنينا الكتب التي يتوجب منعها (عقائديا، وسياسيا، وأخلاقيا) - هذا يتم فتح شفرته بواسطة وسائل التواصل - فإن كتبا لا غبار عليها لا تصل ولا تتداول لأن الناشرين قد أخذوا بالقياس، أو أن همهم قد زال عندما قبضوا حاجاتهم المادية من صاحب الكتاب الضحية فهو الخاسر أبداً في مثل هذه الحالة التي تتكرر مع عدد من الكتاب الذين يقدمون كتبهم للناشرين مع مقدار التكلفة الطباعية، وإذا لم يكن قبل ذلك وأخذ الناشر الكتاب ،فإن الإشارة إلى التوزيع السييء، وأن الكتاب لمايزل في المخازن، وأنه لدى البائعين لابد حاصلة. يتساوى الناشر العربي مع أخيه الناشر العربي في أي مكان من العالم العربي.. حتى لو قدر للناشر أن ينشر ويطبع خارج نطاق البلاد العربية، فإنه يرجع إلى حكايته وسيرته الأولى المحلية، وكم من دار نشر عربية في الغرب تمارس نفس الدور في التسويف وغمط حقوق المؤلف المبدع والمثقف، وتنظر إليه من علٍ على أنها تواضعت ونشرت له إلى جانب عمالقة الإبداع والفكر الغربي الذين ترجمت أعمالهم وحققت أرباحا طائلة، وأن نشر نتاجه معهم ما هو إلى للمحافظة على السمعة العربية، وسمعة الدار في حقيقة الأمر إذا كان نشر كتاب أجنبى فإن الحقوق محفوظة، وخاضعة للقوانين هناك، فلا مجال للتسويف والضحك على الذقون، فما يؤخذ من المسكين يعطى للقوي الذي دفعت له آلاف الدولارات لكي يسمح بترجمة كتابه لكي يتصدر مدونا على رأس قائمة منشورات الدار. الذي حصل ويحصل أن دور نشر عربية لها سمعتها ومكانتها في جودة منشوراتها اضطرت إلى نشر الكتب الإستهلاكية والترويج لها على حساب نتاجات المؤلفين المتميزين والمفكرين الذين اصبحوا يتلمسون ويبحثون عن ناشرين يتلقونهم، ولكن ما من مجيب. أهي انتكاسة أم مجرد موجة عابرة ؟! سؤال يتوجب طرحه بإلحاح.
مشاركة :