الزواج أقدم مؤسسة في التاريخ ومع ذلك مازالت عصية على التعريف.. مؤسسة تبدأ بشخصين، ولكنها تزداد تعقيدا بمرور الأيام فتصبح كحقيبة دبلوماسية لايمكن فتحها دون أرقام سرية.. مؤسسة تبدأ بالإعلان، وتعيش على الكتمان، وتنتهي بندم في جميع الأحوال.. فإن عشت سعيدا مع رفيق العمر ستتمنى لو عشت معه عمرا أطول، وإن عشت تعيسا ستتمنى لو عشت معه عمرا أقصر.. ليس أدل على ذلك من استطلاعات الرأي التي تؤكد أن الزواج مثل الطلاق يأتي دائما في مقدمة المصائب التي تطال الإنسان.. ليس أدل على ذلك من استفتاء (أجري بواسطة الانترنت في 15 دولة) أكد قبول معظم الرجال بفكرة الزواج مجددا من ذات المرأة التي هجروها سابقا مصداقا لقول أبي تمام: نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول لا يمكنك فهم قرار كهذا قبل أن تفهم لماذا تنجذب الفراشات إلى النار، أو يسلم ذكر العنكبوت نفسه للأنثى (بعد تزاوجهما) كي تأكله.. المؤكد أنه لا يوجد تعريف مبسط للزواج.. أصحاب المنهج الدارويني يعتبرونه مجرد ميل بيولوجي الهدف منه تحقيق تقارب جسدي ينتهي بإنجاب الأطفال.. وسواء التزمت قلوبنا بالحب "الأول" أم تنقلت بين "حاضر" و "مستقبل" يظل الأمر رهين ميول بيولوجية وهرمونات جنسية وتفاعلات كيميائية وموروثات تربوية تتصارع داخل الجنسين.. والرجل بالذات مثل كافة مخلوقات الله الذكورية لا يفرق كثيرا بين الالتزام العاطفي والتنوع الجنسي (وهو ماتراه معظم النساء تناقضا غير مفهوم)؛ فقد يحب الرجل زوجته ويسعد بالبقاء معها ومع ذلك يتزوج عليها "أربع" وعشرة في الطريق.. وقد يمتلئ قصره بالجواري والمحظيات كما في قصور السلاطين القديمة ولكنه لا يحمل حباً لأي واحده منهن! على أي حال؛ كثرة المحاولات (لتفسير إقبالنا على الزواج) تؤكد بذاتها أنه تعريف معقد وتجربة تختلف من شخص لآخر.. فالطرف "الآخر" قد يكون مصدرا لسعادتك أو تعاستك، نجاحك أو فشلك، صحتك أو مرضك.. قد تعتبره قرارا حكيما أو خاطئا، قد تكتشف متأخرا أنه أضاف لعمرك أو سرق منك، المؤكد أن 90% من سعادتنا وتعاستنا المستقبلية تعتمد على رفيق العمر ومن سيعيش معنا حتى حافة القبر! العجيب فعلا أننا لا نحتاج لخبرة كي نتزوج، ولا تنفعنا خبراتنا حين نرغب بالزواج مجددا.. فالزواج هو الخبرة ذاتها والحالة الوحيدة التي نكرر فيها أخطاءنا عن سابق إصرار وترصد.. فكل من فشل في تجربته الأولى والثانية لا يتردد في خوض تجربته الثالثة والرابعة متبنياً المثل القائل "ظل راجل، ولا ظل حيطة"! ... وحتى إن ادعيت الخبرة والمعرفة، فلست وحدك من يقرر طبيعة زواجك ومصيره في المستقبل.. صحيح أن الحكاية تبدأ بعروسة وعريس ولكن هناك كم هائل من المؤثرات النفسية والثقافية والذهنية بل وحتى الاقتصادية والمادية التي تأخذهما لاحقا في كل اتجاه.. فالعواطف ستتبدل وتتغير خلال نصف قرن، وتقلبات الزمن تؤثر في رغبة الطرف الآخر في البقاء أو الرحيل أو استبدال السعادة بالمال.. أما اختلاف الثقافات وطبائع الشعوب فتجعل من الزوجة أحيانا شريكا حقيقياً (تستحق نصف الثروة في حال طلاقها) أو مجرد سلعة مستأجرة يحق للزوج إعادتها لصاحبها وقتما يشاء (كما أفتى بذلك فقهاء المذاهب الأربعة)! ... على أي حال؛ يمكنك نسيان كل ماجاء في هذا المقال وتذكر فقرة واحدة فقط: 90% من سعادتنا وتعاستنا تعتمد على اختيارنا الموفق لشريك العمر.. فانظر، أو انظري لمن تسلمين عمرك رحمك الله!
مشاركة :