توقفت طويلاً أمام خبر قصير تداولته وكالات الأنباء قبل أيام قليلة، صحيح أنه يتم توصيفه إعلاميًا كخبر لكني أعتقد أنه أكبر من ذلك بكثير؛ لأنه يمثل العلاج الشافي لكثير من مشاكلنا وهمومنا.. ودعونا نبدأ الحكاية من أولها: الصحف الخليجية والعربية نقلت أن مواطنًا إماراتيًا عفا عن سعودي قتل أخاه قبل دقائق من تنفيذ حكم القصاص، مؤكدًا وبالحرف الواحد أن تنازله عن القاتل جاء لوجه الله تعالى وليجعل هذا العمل عائدًا بالخير والحسنات لأخيه ويكتب الصلاح للقتيل.. هكذا الأمر بكل بساطة وحب وتسامح وبعيدًا عن أي روح انتقامية أو عبثية أو ثأرية في رسالة تعكس حقيقة لا يختلف عليها اثنان من بني البشر، وهي أنه لولا التسامح والعفو الذي أصلهما الإسلام، لكانت حياتنا الآن أشبه بالغابة، وأسارع فأقول إن هذه الدعوة للتسامح والعفو لا تعني أبدًا عدم التمسك بالحقوق وإنما هي تأكيد على قيمة العفو عند المقدرة، ودعونا نتأمل الآيتين القرآنيتين اللتين تؤكدان ذلك، الأولى في سورة فصلت ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، والأخرى في سورة الشورى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. وإذا كانت هذه هي لغة القرآن، الكتاب المنزل، ألا يجدر بنا أن نعتمدها منهجًا في حياتنا سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع بل والعالم إذا كنا حقًا نريد وضع حد لمشاكلنا وهمومنا؟ فليس من المنطق أبدًا أن نتمادى في الخصومة ونصل بالمشكلة إلى قمّتها في وقت نمتلك فيه القدرة على التسامح والعفو والتغاضي عن الصغائر واحترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين. كما ينبغي التأكيد على حقيقة أخرى موازية وهي أن هذا التسامح ليس فقط من أجل الآخرين ولكنه مصلحة ذاتية لنا، فالنفس المتسامحة نقية وسوية ومحبة للحياة. وبلغة لا تقبل التردد: حافظ على حقوقك لكن لا تفقد التسامح كمبدأ إنساني وكلما كان بإمكانك العفو عند المقدرة كان أفضل ومهما كان الطرف الآخر سيئًا، فالتسامح سيُعيده إلى الوئام؛ لأنه بدون لغة التسامح والتجاوز عن أخطاء الآخرين لا يمكن للحياة أن تستمر بوتيرة هانئة مرتاحة، فكم هي عظيمة تلك النفوس المتسامحة التي تنسى الإساءة وترد السيئة بالحسنة، وكما قال المفكر الروسي ليوتولستوي عظمة الرجال تقاس بمدى استعدادهم للعفو والتسامح عن الذين أساءوا إليهم.. فتحية لكل من كان التسامح منهجه والحب والأمل غايته.
مشاركة :