رغم ما بدا أنه خروج من نفق المحاصصة المظلم الذي أوقع العراق بعد عام 2003 في هاوية الفشل والفساد طبقا للمؤشرات العالمية بعد تصويت البرلمان العراقي أول من أمس على أول تشكيلة وزارية خارج نطاق المحاصصة، واصل المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، صمته حيال ما كان يدلي به ممثلوه أثناء خطب الجمعة أسبوعيا طوال السنوات الماضية، بينما عبر ممثلون شيعة آخرون من بينهم خطيب جمعة النجف صدر الدين القبانجي، وهو قيادي في المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، أو خطيب جمعة الكوفة وهو ممثل لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عن ارتياح مشوب بالحذر، وهو سيد الموقف في الشارع العراقي. الأستاذ في الحوزة العلمية والمقرب من المرجعية، حيدر الغرابي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، وردا على سؤال لماذا لم تقل المرجعية كلمتها في وقت بدا فيه أن الطبقة السياسية بدأت أولى الخطوات في السير على السكة الصحيحة، قال إن «المرجعية عندما قررت الصمت، وأن لا تتدخل كانت لا تريد ترجيح كفة طرف سياسي على طرف آخر، ولما كانت الضغوط التي قام بها السيد مقتدى الصدر هي التي كانت السبب المباشر فيما حصل، مما يعد خطوة في الطريق الصحيح مثلما يرى البعض، فإن السيد الصدر هو جزء من العملية السياسية، وبالتالي فإن أي توجيه أو دعم من قبل المرجعية يعني ترجيح كفة طرف على حساب آخر». وأضاف الغرابي أن «الحكومة التي يجري الحديث عنها الآن ليست واضحة المعالم، حيث إن الغالبية ممن تم ترشيحهم ليسوا أهلا لهذه المهمة حتى لو كانوا من التكنوقراط، لسبب رئيسي يتمثل في أن أصل القصة يتعلق بالنظام السياسي لا بالوزراء سواء من التكنوقراط أم لا، حيث لا يوجد لدينا قانون أو إطار صحيح للحكم الرشيد، وهو ما يعني أننا لو جلبنا الحكومتين الأميركية أو البريطانية ومنحناهما مسؤولية الحكم في العراق فإنهما في ظل ما نحن فيه لن تنجحا». وانتقد الغرابي ترشيح بعض الشخصيات التي أطلق عليها بأنها «ذات ولاءات مختلفة مثل الشريف علي بن الحسين الذي رشح لمنصب وزير الخارجية فهو ليس عراقيا بالأصالة، وهو مخالف لشروط التنصيب للمناصب السيادية في العراق، فضلا عن أنه يحمل أكثر من جنسية، وهو ما ينطبق على العبادي نفسه الذي لا يزال يحمل الجنسية البريطانية»، مشيرا إلى أن «ما حصل في الواقع هو مسألة توافقات تمت في غرف مظلمة وأريد إخراجها بهذه الطريقة لامتصاص نقمة الشارع، وبالتالي فإنها لن تنجح، وأن مصيرها الفشل الذريع وفي غضون ستة أشهر لا أكثر سيطاح بالعبادي». من جهته، عد المفكر العراقي وعضو البرلمان السابق حسن العلوي «ما حصل كان بمثابة ثورة في عمق قنينة النظام السياسي في العراق». وقال العلوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقر إقامته الحالي في العاصمة القبرصية نيقوسيا، إن «الوضع السياسي الراهن في العراق هو أشبه بقنينة غاز مضغوط عليها ما لم تخرج فإنها تنفجر في وجه الجميع، وبالتالي فإن ما حصل هو عملية تنفيس من داخل المنظومة الحاكمة»، مشيرا إلى أن «النصائح التي قدمت إلى العبادي من حلفائه كانت حكيمة، وبالتالي فإنه لا بد من القول إنه رغم عدم وجود مشتركات بيني وبين العبادي فإنه أدار الأزمة بحكمة كان يفتقر إليها نوري المالكي». وتابع أنه «رغم تصريحاته (العبادي) المتكررة فإنه لم يطرح أي تهديد وكانت لغته لغة عتاب ولم يقطع الخيوط أو الخطوط مع الصدر». وعد العلوي أن «ما حصل الآن ليس ثورة إصلاح، بل هي حركة كان يجب أن يستوعبها النظام». وبشأن توقعاته لما يمكن أن يحصل، قال إن «البرلمان سينقسم، حيث إن الأكراد بكل كتلهم سينسحبون، لأنهم لن يقبلوا أن يرشح أحد ممثلين لهم في السلطة، حيث إن تجاربهم مع الدولة العراقية منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم لا تشجع على ذلك»، مبينا أن «الخبراء الذين تم اختيارهم لمهمة اختيار المرشحين لم يمتلكوا الوعي الكافي لمعرفة رد الفعل، لأن همهم انحصر في مهمة واحدة وهي إرضاء من رشحهم سواء كان العبادي أم الصدر». إلى ذلك، كشفت إقبال عبد الحسين، عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن «ائتلافنا الذي أنتمي إليه أنا والعبادي وحزب الدعوة الذي ننتمي إليه كليا لم نعرف أسماء المرشحين من العبادي بل عرفناها من رئيس البرلمان سليم الجبوري». وقالت إن «العبادي لم يطلعنا على الورقة التي سلمها داخل قبة البرلمان إلى رئيس البرلمان سليم الجبوري الذي فتحها أمام كل النواب وبدأ بقراءة الأسماء»، مشيرة إلى أن «هذا لا يمنع من القول: إن الأسماء التي طرحت وصوتنا عليهم داخل البرلمان جاءت من ترشيحات الأحزاب، أو هي مرضي عنها من قبل بعض الأحزاب، وبالتالي فإن من كان من المرشحين ممن هو لم يعمل بالسياسة، وهو تكنوقراط، فإنه حظي بقبول حزبي، وهو ما سينعكس على التصويت النهائي عليهم بعد دراسة سيرهم الذاتية بدءا من السبت (اليوم)».
مشاركة :