أكد المستشار الاقتصادي والنفطي الدكتور محمد سالم الصبان، أن خصخصة مختلف القطاعات العامة، في إطار برنامج التحول الوطني، من شأنه أن يحقق أداء انتاجيا أفضل، ويوفر إيرادات قصيرة الأمد تغطي بعض النقص الذي لحق بالإيرادات النفطية, لافتا إلى أن توسيع فرص تملك المستثمرين الأجانب للاسهم المحلية من شأنه أن يعزز نجاح الخصخصة. وقال إن خصخصة أرامكو من شأنه أن يدعم رأس مال صندوق الاستثمارات العامة في مرحلة تحويله ليكون صندوقا سياديا للمملكة، خصوصاً أنه لا يشمل عملياتها الأولية من ملكية الحقول وعمليات استكشاف واستخراج النفط والغاز، وانما يُكتفى بعمليات الشركة اللاحقة من عمليات التكرير والتوزيع وصناعاتها البتروكيماوية. وأضاف: من ضمن ما أعلن من برامج للتحول الوطني في المملكة العربية السعودية، هو البدء بخصخصة بعض المرافق والشركات العامة التي تملكها الحكومة، رغبة منها في زيادة الإيرادات غير النفطية من جهة، وتحقيق أداء أفضل في ظل مشاركة القطاع الخاص في إدارتها. وتمثل شركة أرامكو السعودية وهي المملوكة بالكامل للحكومة أحد هذه المرافق المرشحة للتخصيص، وهو ما أحدث صدى إعلاميا قويا داخل وخارج المملكة، لاعتقاد العامة قاطبة بأن أرامكو السعودية قد لا تخضع يوما من الأيام للتخصيص كونها أساس قوة المملكة السياسية والاقتصادية. ولقد أعاد حديث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لوكالة بلومبيرغ الخميس الماضي، حول طرح نسبة من ملكية أرامكو للاكتتاب العام، لتكون حصيلة إيرادات هذا الاكتتاب إضافة مالية لرأس مال صندوق الاستثمارات العامة في مرحلة تحويله ليكون صندوقا سياديا للمملكة. أعاد النقاش بين الكثيرين حول طبيعة ما سيتم بيعه من ملكية أرامكو في 5 % المطروحة للاكتتاب العام. وبالرغم من عدم ورود تفاصيل كثيرة حول مسألة خصخصة هذه، إلا أن التأكيدات التي سمعناها ونسمعها من المسؤولين تتكلم عن ما بعد الانتاج. وفي تصوري الشخصي، - يقول الصبان - فإن خصخصة أرامكو المطروح حالياً هو ما يخص عمليات الشركة اللاحقة من التكرير والتوزيع وصناعاتها البتروكيماوية. مبررات خصخصة وفي حديث لمجلة الأيكونومست الإنجليزية قبل أكثر من شهرين، أوضح الأمير محمد بن سلمان، أن خصخصة سيكون من أولويات برنامج التحول الوطني الهادف إلى إجراء إصلاحات اقتصادية، ويعمل على تحقيق التنويع الاقتصادي المطلوب لتقليل اعتمادنا على النفط كمصدر رئيسي للدخل في بلادنا. وذكر بالتحديد تخصيص أرامكو السعودية، وعرج على أن تخصيصها سيزيدها كفاءة ويقضي على أي فساد قائم محتمل في عملياتها. وبالنظر سريعا لتاريخ أرامكو، وهي التي بدأت بملكية أربع شركات أمريكية، فقد كانت قرارات الإنتاج اليومي والتوسع في الطاقة الإنتاجية من حقول الامتياز من صلاحيتها، وليست من صلاحية الحكومة السعودية، وذلك حسب ما يعظم لها الفائدة التجارية بغض النظر عن رغبة الحكومة بوجود طاقة إنتاجية فائضة تستخدمها لزيادة موثوقيتها دوليا. واستمرت هذه الصلاحيات الخاصة بمستويات الإنتاج لدى الشركات الأربع المالكة لأرامكو، إلى فترة السبعينات حيث بدأت حكومات دول الأوبك ومنها المملكة في الدخول في مفاوضات، أدت الى ما يعرف بـ «اتفاقيات المشاركة»، والتي أعادت ملكية القرار الخاص بالإنتاج إلى الدولة المالكة لهذه الحقول بغض النظر عن الامتياز الممنوح لهذه الشركات. وتم تعويض الشركات الأمريكية المالكة لأرامكو عن موجوداتها وكانت مبالغ كبيرة أصرت عليها هذه الشركات. وفي ظل توجه الحكومة السعودية في إطار برنامج التحول الوطني نحو تخصيص مختلف القطاعات العامة، رغبة منها في أداء انتاجي أفضل، وتوفير إيرادات قصيرة الأمد تغطي بها بعض النقص الذي لحق بالإيرادات النفطية. ومنذ الإعلان عن شمول شركة أرامكو ضمن المرافق الحكومية المخطط تخصيصها، والنقاش العام الدائر حول: الكيفية التي يتم بموجبها هذه الخصخصة، مدى استيعاب سوق الأسهم المحلي للحجم الكبير من هذا خصخصة، وتأثير كل ذلك على السيولة المتوفرة لدى القطاع الخاص). .. الاحتفاظ بالعمليات الأولية عن مبررات عدم فتح قطاع عمليات أرامكو الأولية (UPSTREAMS) للتخصيص، يقول الصبان: لو أردنا تلخيص ضرورات احتفاظ الحكومة السعودية بملكية الحقول النفطية وحقول الغاز الطبيعي، وملكية العمليات الأولية بشكل عام، لوجدنا أنها تتلخص في النقاط التالية: - أولا: أن هذه الحقول سواء نفط أو غاز هي ثروة الوطن الطبيعية الحقيقية، وهي التي مولت وتمول حتى الآن معظم مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن تقليص ملكية الحكومية التدريجية في هذه الأصول عبر تخصيصها يؤدي إلى فقدان السيطرة على هذا المورد الرئيسي، ويقلل بالتالي من قدرتها على تمويل المشروعات التنموية الأساسية التي تنفذها. - ثانيا: إن الفقدان التدريجي لملكية الحكومة السعودية لهذه الحقول المكتشف منها وغير المكتشف، سيضعف من قدرتها على اتخاذ القرارات الخاصة بمستويات إنتاجها والتوسع المستقبلي للطاقة الإنتاجية، وقدرتها على سرعة مواجهة أية انقطاعات في الإمدادات العالمية. وينبع ذلك من اختلاف التوجه الحكومي المصحوب بالنظرة طويلة الأمد ومصالح المملكة الدولية، وبين توجه القطاع الخاص الذي يمتلك أجزاء متزايدة من هذه الحقول، وهو حتما يحمل توجها ونظرة مختلفة تعتمد على تعظيم الأرباح من هذه الحقول في كل الأوقات دون النظر إلى مبادلة عائدات منخفضة في الأمد القصير لتحقيق عائدات أعلى في الأمدين المتوسط والطويل. - ثالثا: إن موقف المملكة دوليا سيضعف تدريجيا، وخصوصا في إطار منظمة (الأوبك) التي تعتبر المملكة من مؤسسيها الأوائل، وقد يقود ضعف قدرة الحكومة السعودية السيطرة على قرارات الإنتاج إلى انتهاء منظمة الأوبك. - رابعا: لو تم فتح المجال للمستثمرين الأجانب للدخول في هذا خصخصة لشركة أرامكو، فإن هذا سيؤدي إلى عودة السيطرة على قرارات الإنتاج من جديد للمساهمين والشركات الأجنبية والتي تعرف الحجم الكبير لاحتياطيات المملكة النفطية والغازية. السيناريو المفضل لخصخصة أرامكو يرى الصبان أن السيناريو المفضل لخصخصة شركة أرامكو، والذي يتم تداوله بين كثير من المهتمين السعوديين، يتمثل في التالي: - أن يقتصر تخصيص أرامكو على عملياتها اللاحقة (DOWNSTREAMS) من مصافي وبتروكيماويات والنقل وغيرها. - أن تؤسس شركة قابضة تضم هذه العمليات اللاحقة جميعها، ويتم تخصيص نسبة صغيرة من أسهم هذه الشركة الأم للاكتتاب العام، تراعي صغر حجم سوق الأسهم المحلي وأيضا تأثير هذا الاكتتاب الضخم على السيولة المتاحة. ومن المهم لهيئة سوق المال السعودية النظر بجدية نحو توسيع قدرة المستثمرين الأجانب لتملك الأسهم المحلية، وتزايد نصيبهم في السوق المحلي. - أن تتوسع هذه الشركة القابضة والخاصة بالعمليات اللاحقة في المشروعات المشتركة مع الشركات الأجنبية لضمان تسويق الخام السعودي من خلالها وزيادة القيمة المضافة، والاستفادة من خبرات الشركات المشاركة مع أرامكو في تقليل المخاطر الدولية ونقل أحدث التقنيات في المجالات محل الشراكة.
مشاركة :