في وقت لم تتخذ فيه الجهات المسؤولة عن ملف التقاضي في المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل ومجلس الأمة التدابير اللازمة لمواجهة الارتفاع الكبير الذي سجلته المحاكم عام 2011 بقيد 500 قضية، والذي ارتفع في عام 2019 إلى مليون ومئتي ألف قضية، سجلت المحاكم خلال العام المنصرم (2023) 1.572.341 قضية بزيادة تقدر بـ 400 ألفاً خلال 4 سنوات فقط، وهو ما يشير إلى أن الأرقام التي سجلتها المحاكم العام الماضي تنبئ بارتفاع كبير في أعداد القضايا داخل الكويت. وسجلت الإحصائيات بشأن قيد القضايا خلال العام المنصرم، أن للمحكمة الكلية النصيب الأكبر من قيد الدعاوى، إذ سجلت وحدها 1.522.697 قضية، كان عدد القضايا الجزائية منها 934.705 أي قرابة المليون وحدها، في حين سجلت القضايا المدنية العام الماضي في المحكمة الكلية 554240 قضية، بينما بلغت قضايا الأسرة 33752. وسجلت دوائر محكمة الاستئناف خلال العام المنصرم 53282 قضية استئناف عادي واستئناف أسرة، بينما بلغت القضايا التي قيّدتها محكمة التمييز 21771، وجاءت أعداد الطعون المتراكمة في حدود 70 ألفاً أمام «التمييز». وترتيباً على الارقام التي سجلتها دوائر المحكمة الكلية بما يزيد على 1.5 مليون قضية لعام 2023، فإن المفاجأة تكمن في أن عدد من تولى الفصل في القضايا لم يتجاوز 396 قاضياً موزعين على دوائرها، وهو ما يعني أن نصيب كل قاض بـ «الكلية» من النظر والفصل سنوياً في القضايا يبلغ نحو 3840 قضية في العام الماضي، وبمعدل 320 قضية شهرياً، و80 قضية أسبوعياً. 3840 قضية ينظرها قاضي «الكلية» سنوياً بمعدل 320 شهرياً و80 أسبوعياً وبلغ عدد القضايا المقيدة أمام «الاستئناف» 53282 يتولى نظرها نحو 334 قاضياً بدرجة مستشار في المحكمة، وهو ما يشير إلى أن معدل فصل القاضي السنوي بلغ 160 قضية، في حين يبلغ معدل الفصل بالقضايا شهرياً 9 قضايا، وهو عدد يتناسب مع عدد القضايا المنظورة أمام هذه المحكمة، مما يسمح بتداولها والفصل فيها بشكل يتناسب مع طبيعة العمل القضائي. وبلغ عدد القضايا المقامة أمام «التمييز» 21771 قضية موزعة على 35 دائرة فيها ويتولى النظر والفصل فيها 87 قاضياً بدرجة مستشار، وهو ما يعني أن معدل فصل القاضي في تلك المحكمة سنوياً يبلغ 250 قضية، وبمعدل شهري 11، مما يمثل إرهاقاً للقضاة والمستشارين مع مراعاة أن «التمييز» من مهامها الرقابة على سلامة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الابتدائية والاستئناف، فضلاً عن وضعها كمحكمة تراقب تطبيق أحكام القانون والقواعد والمبادئ القضائية، وهو ما يستلزم منها أن تبذل جهدين كبيرين، هما التدقيق على سلامة الأحكام والإجراءات المتعلقة بالطعون المعروضة عليها، وفي ذات الوقت إصدار القواعد والمبادئ القضائية والحفاظ على ما سبق صدوره من مبادئ وقواعد من «التمييز». ومن ثم فإن العدد الكبير للطعون المعروضة امام «التمييز» لا يمكن أن يكون محلاً للبحث والفحص الذي يتطلبه القانون إلا في حالتين، الأولى في الضغط على المنظومة الحالية كمحكمة التمييز، بزيادة العبء على أعضائها الحاليين بنظر المزيد من الطعون، ورغم هذا الضغط فلن تصدر أحكاما تحقق المفارقة في أعداد الطعون المتراكمة لأنها ملتزمة بجودة الأحكام ومراعاة المبادئ والقواعد التي استقرت عليها «التمييز»، وهو ما يستغرق وقتاً لنظر تلك الطعون وعرضها قبل الفصل فيها أمام نيابة التمييز لإعداد رأيها، ومن ثم إصدار الأحكام بها بعد الرد على كل مناحي الطعن المقدم من الأطراف المعنية بالطعن. بينما الحالة الثانية تتمثل في التعامل مع الطعون، وهي زيادة عدد القضاة والمستشارين في «التمييز» وهو أمر لم يحدث بعد أن كشفت الاحصائيات والتقارير المعدة أن عدد القضاة في «التمييز» الذين كانوا يتولون الفصل بالطعون في عام 2019 هم 85 قاضيا بدرجة مستشار، في حين ان عدد القضاة الذين تولوا النظر والفصل في الطعون العام المنصرم 2023 وحتى اليوم بلغ 87 قاضيا بدرجة مستشار. ورغم الأعداد الكبيرة للطعون التي تلقتها «التمييز» في آخر أربع سنوات بعدما تلقت في عام 2019 نحو 16.500 طعن في حينها، بينما فصلت في العام المنصرم في ما يزيد على 21771 طعنا، وهو ما يعني الارتفاع في أعداد الطعون بواقع 6 آلاف تقريباً عن عام 2019، في ظل عدم ارتفاع أعداد القضاة في المحكمة إلا بزيادة مستشارين اثنين فقط. ويثير ذلك الأمر تساؤلاً مهماً عن أسباب زيادة القضايا في ظل الحاجة الملحة إلى زيادة أعداد القضاة بما يسمح للدوائر القضائية بزيادة الفصل في اعداد الطعون المعروضة أمام المحكمة، لاسيما أن «التمييز» تعاني التراكم في أعداد الطعون فاق 70 ألفاً وفق آخر الأرقام التي سجلتها «التمييز» في ظل نظر المحكمة في العام المنصرم لطعون متداولة تبلغ 10 آلاف طعن، وهو ما يعني أن ما تفصله «التمييز» من الطعون المتراكمة لا يتجاوز 10 آلاف، بينما تنظر من القضايا الواردة إلى المحكمة بذات الرقم تقريبا، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في أمر تعيين القضاة في المحاكم ومنها «التمييز». ويترتب على هذا العدد الكبير ضعف كفاءة منظومة التقاضي والعدالة نظراً لما تتطلبه إجراءات نظر القضايا والفصل فيها من العديد من الإجراءات القانونية والقضائية التقليدية، التي لم تشهد منذ 45 عاما أي تطور تشريعي تقني يساهم في تطور المنظومة القضائية، كما أصبح القضاء مطالباً بزيادة تعيين القضاة في الجهاز القضائي، إذ لا يعقل أن يتولى النظر والفصل في أكثر من مليون ونصف المليون قضية 730 قاضيا، منهم 396 في المحكمة الكلية ينظرون في مليون وخمسمئة قضية، في حين ينظر قضاة «الاستئناف» و«التمييز» فيما يزيد على 70 ألف قضية في السنة، وهذه أرقام تستدعي التوقف عندها من القائمين على السلطات الثلاث والعمل على استبدال منظومة التقاضي كاملة، منها الجزائية والمدنية، بمنظومة أخرى حديثة تواكب التطورات التقنية الحديثة مع مراجعة الرسوم القضائية التي لم تخضع للمراجعة منذ نحو 40 عاماً بما ينعكس على جدية التقاضي للوصول إلى جودة العمل الفني، وكذلك الدفع بنظام التوفيق والتسوية القضائية بدلاً من السماح مباشرة برفع الدعاوى.
مشاركة :