قد يوافقني وقد يعارضني البعض، إذا قلت إن دورة المياه، أي (الحمام) بشكله العصري المتعارف عليه حاليا، هو من أعظم الاختراعات في تاريخ الإنسان، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، فهو الذي لولاه لما توسعت المدن، ولولاه لتفشت الأمراض بين البشر، لهذا أنا احترم الحمام جدا، وأرفع له قبعتي كلما دخلت فيه وخرجت منه قائلاً: اللهم أدمها علينا نعمة. وتألمت عندما قرأت مقابلة مع الناشط الهندي (بيديشوار)، الذي أسس جمعية خيرية باسمه عندما قال: «إن ملايين الهنود معزولون عن المجتمع ويقضون حاجاتهم إما بإقامة حفر في الأرض، وإما في الحقول، لذا فهمّنا أن نوقف هذا السلوك الفظيع». وفعلاً، ساهمت تلك الجمعية، جزاها الله خيرا، بأن أقامت مئات الآلاف من المراحيض الصحية العامة حتى الآن. وقد خطت جزيرة (تايوان) خطوات رائعة في كفاحها المشرف بالنهوض بالحمامات، ومن فخر حكومتها لما وصلت إليه أخذت تحفز العرسان وتشجعهم بالهدايا ليعقدوا زيجاتهم في المراحيض العامة إثباتا لنظافتها، وتجاوبًا معها من المواطنين الغيورين أقدموا على ذلك. في حين أن الصين تعاني أشد المعاناة من ذلك النقص الفادح، وفي لحظة إلهام فريدة خطرت فكرة جهنمية لنجار صيني كسدت تجارته، عندما شاهد الألوف المؤلفة يقضون حاجاتهم كيفما اتفق، فما كان منه إلاّ أن يبيع منجرته، ويقترض فوقها قرضا، ويشتري مركبات من ذوات الثلاث عجلات، ويجري عليها بعض الإضافات والتعديلات لتصبح مراحيض متنقلة، بدأها بعشر مركبات، وما هي إلا سنة حتى أصبحت مئات، وهي الآن تزيد على ثلاثة آلاف مركبة، كلها تجوب الشوارع والميادين ومحطات السكك الحديدية، وأماكن التجمعات أينما كانت، وكل من أراد أن يفك أزمته يدفع مبلغًا معينًا، وكلما امتلأت مركبة بما فيها، أتتها مركبة أخرى لتفرغها من الفضلات خلال دقائق دون أن تنقط نقطة واحدة، وأصبح الناس يتهافتون على هذه الخدمة الإنسانية. وأثرى ذلك الرجل من حيث لا يحتسب، وأصبح اليوم من أصحاب الملايين الذين يشار لهم بالبنان، وقد قدرت الحكومة الصينية مجهوداته تلك وكرمته في حفل مشهود. ولو كان لي من الأمر شيء لرشحته لكي ينال جائزة (نوبل)، فليس هناك أنبل من إنسان يحل أزمة إنسان (محصور) لا يدري أين يذهب، وكيف يستر نفسه من أعين الفضوليين الذين هم على شاكلتي! المسألة عزيزي القارئ ليس فيها ضحكة، فتخيل نفسك، لا سمح الله، لو كنت في ذلك الموقف، بالله عليك بعدها فين تودي وجهك إذا لم تستطع أن تسيطر على نفسك، وفعلتها رغما عن أنفك؟!
مشاركة :