بعد أكثر من خمسة أعوام من بداية «الربيع العربي» ، يرى البعض بأن الربيع العربي صنعته الشعوب العربية منفردة كتعبير عن إرادتها ضد الطغيان بدون تدخل خارجي، والبعض الآخر مؤمن بوجود أيادٍ خفية خارجية، ولكن غير مصدق أن تقوم بتحريك كل هذه الجماهير في الشوارع، خصوصاً وأن كل من نزل للشوارع لإسقاط الأنظمة، كانوا من المواطنين.!تحريك الجماهير والتأثير عليهم لقيام الثورات يعتبر علماً بذاته، وهذا العلم تتقنه المخابرات الأجنبية بمنتهى الاحترافية. لقد تمت أول عملية استخباراتية للمخابرات المركزية الأمريكية بعد تأسيسها في عام 1947م، للإطاحة بحكومة أجنبية في عام 1953م، وقد كانت تلك الحكومة هي حكومة محمد مصدق في إيران. تلك العملية الاستخباراتية، والتي كانت تسمى بعملية «أياكس» أو عملية «بوت» كما ظل البريطانيون يسمونها، والتي حدثت قبل أكثر من ستين عاماً، نجدها قريبة جداً من تفاصيل الثورات العربية، إن لم تكن متطابقة معها في العديد من تفاصيلها. لقد كانت أسباب تلك العملية، هي قيام مجلس النواب الإيراني بالتصويت على تأميم شركة النفط البريطانية الإيرانية في عام 1951م، وتوقيع الشاه الضعيف محمد رضا بهلوي على قانون إلغاء الامتياز لشركة النفط البريطانية الإيرانية وتأسيس شركة النفط الإيرانية، بعدها تم تعيين محمد مصدق كرئيس وزراء للبلاد، والذي كان له شعبية جماهيرية كبيرة بسبب وطنيته وكرهه للبريطانيين ودعوته المتكررة لتأميم شركة النفط لتكون من حق الإيرانيين وحدهم. حاول البريطانيون الوصول معه لحل بخصوص تأميم شركة النفط، ولكن بدون جدوى، مما أدى لاتخاذ قرار من قبلهم للإطاحة به. وبسبب تقربه من الحزب الشيوعي في البلاد والتودد للاتحاد السوفيتي، وجد الأمريكان أيضاً في نهاية المطاف وجوب التخلص منه لقطع المد الشيوعي من إيران، لتتحد المخابرات الأمريكية والبريطانية للإطاحة به. كانت العملية الاستخباراتية للإطاحة بمصدق صعبة ، نظراً لشعبيته الكبيرة ، وقد تولى تلك العملية ضابط الاستخبارات الأمريكي كيرمت روزفلت. وتم الترتيب لهذه العملية بعدة طرق، منها: تشويه صورة مصدق في الشارع وتقديم الرشوة للسياسيين والملالي والصحفيين وغيرهم، بمساعدة العديد من العملاء السريين في إيران للمخابرات البريطانية والأمريكية. وفي ساعة الحسم بعد أن تم الترتيب وإحداث البلبلة المطلوبة، تمت عمليات التخريب وخروج مظاهرات منددة ومؤيدة لمصدق في ذات الوقت، يتقدمها عملاء الاستخبارات الأمريكية من الإيرانيين في الجانبين، والذين دُفع لهم مبالغ مالية للقيام بذلك، وتبعهم العديد من المواطنين بدون علم. ولكن هذه المحاولة تم الانتباه لها من مصدق والقضاء عليها من قبله، الأمر الذي أدى لهروب الشاه من إيران. ولكن بعدها بأيام قليلة تمت تكملة العملية وقامت الجماهير الغاضبة، عملاء المخابرات الأمريكية، بتخريب المحلات وحرقها وقتل المارة وسرقتهم والهتاف لمصدق، الأمر الذي أغضب الناس ضد مصدق، لتخرج بعدها المظاهرات المؤيدة للشاه ، وخرج أعوان للمخابرات الأمريكية بلباس الشرطة وقاموا بضرب الناس، التي اعتقدت بأنهم من شرطة الحكومة التابعة لمصدق، الأمر الذي أثار الحقد والسخط أكثر عليه. بعدها تم تحريض حشد كبير للذهاب لبيت مصدق وحاصروه هناك، وتم هروبه، ومن ثم استسلامه لرئيس الوزراء الجديد المرشح من قبل الاستخبارات الأمريكية والمُعيَّن من قبل الشاه، ليسقط رئيس الوزراء مصدق من قبل الشعب، كما كان ظاهراً، وليس من المخابرات الأمريكية والبريطانية.والآن، هل تفاصيل الثورة على مصدق قبل أكثر من ستين عاماً تذكرنا بأي تفاصيل لثورات الربيع العربي؟ وهل مازال البعض يعتقد بأن تلك الثورات صنيعة العرب بالكامل؟ أترك الحكم لكم. q.metawea@maklawfirm.net
مشاركة :