يكتبها: يوسف أبولوز في منطقة (سدروه) بإمارة رأس الخيمة، وفي عام 1955م تحديداً، ولد طفل أسمر يدعى جمعة موسى الفيروز إبراهيم.. وحين اشتد عوده، وصار له كيانه في الحياة وفي الوطن وفي الزمن وفي الفن والأدب والثقافة، صار جمعة الفيروز بقلبه الأبيض وفكره الناصع والنابض بالحياة والأمل، وبالألم الذي ظل يلازمه كظله حتى فارق الحياة وهو نائم في فراشه الأخير في رأس الخيمة في 19 فبراير 2001م.. تاركاً خلف ظهره آلامه التي كابدها مراراً وكبدته راحته وطمأنينة فؤاده، فيما حمل معه آماله التي يلتمس فيها رحمة من الله وسعادة لا ترتجى إلا من رب ودود.. فبين الموت والحياة، سبر أغوار الكتابة بشتى أنواعها.. الشعر، القصة، الخواطر، المقالات، والكتابات الفلسفية، والقراءات التأملية.. في نتاجات الآخرين.. وبين كتابة وأخرى، كانت روحه المرحة عصفوراً نبيلاً يكافح الهواء والأمراض المتباينة الأنفاس والمستعصية على النفس والذاكرة والفكر والحرية. من الجميل أن نستعيد أسماء أدبية إبداعية من الإمارات في عام القراءة كان طواها الغياب، وكانت مملوءة بالفرح والحيوية الثقافية في ثمانينات القرن الماضي، حيث ظهرت في الساحة المحلية مؤسسات معنية بالكتابة، مثل اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي أنشئ في النصف الأول من ثمانينات القرن العشرين بعدد قليل من الكتاب الإماراتيين، إلى جانب أسماء عربية منتسبة للاتحاد. ذلك الجيل من الكتاب الإماراتيين الذين نعتبرهم اليوم رواداً ومؤسسين.. كانوا أسسوا بالفعل فضاء إبداعياً لافتاً في القصة القصيرة والشعر على وجه التحديد.. هؤلاء البعض منهم طواه الموت، والبعض لأسباب غير معروفة تماماً توقف عن الكتابة، والقليل من تلك الرموز الرائدة استمر في الكتابة إلى اليوم، ولكن، ليس في مثل حيوية ونشاط الكتابة في ذلك الزمن الثمانيني. جمعة الفيروز.. موسيقي، وشاعر، وناثر، وكاتب قصة، وقبل ذلك كائن مقبل على الحياة، وعلى الأصدقاء، كان يكتب بغزارة، ويحب الحياة بغزارة أيضاً. الفيروز.. كائن كتابي إن جازت العبارة، كل شيء عنده يمكن أن يتحول إلى نصوص هي جزء من شخصيته وتكوينه الثقافي. شغف الفيروز بالكتابة كان جزءاً من شغفه بالحياة والأصدقاء والقراءات التي جعلت منه شبه متصوف في صومعة الشعر والنثر في سلسلة أعلام من الإمارات صدر كتاب جمعة الفيروز بين احتراقات الذاكرة واختراقات النسيان للشاعر والكاتب عبدالله محمد السبب. وهذا الكتاب هو في الواقع تحية وفاء نبيلة من السبب لصديقه الفيروز، حيث عاشا في بيئة فنية شعرية محاطة بالحميمية الصادقة، والأهم من ذلك، أنها بيئة كتابة حية بامتياز. الجميل في الكتاب أنه مشغول بمزاج يشبه مزاج جمعة الفيروز، ففي الكتاب نصوص أدبية، وشهادات، وقراءات في تجربة الفيروز الابداعية، وفي الكتاب صور للفيروز ونماذج من خط يده هو الذي يكتب بخط جميل، وربما لو اشتغل قليلاً على نفسه في هذا المجال لكان واحداً من أبرز خطاطي الإمارات، وفي الكتاب ثمة بعض المراثي في الراحل الذي ترك جرحاً في ذاكرة أصدقائه، خصوصاً أصدقاء وكتاب وشعراء وفناني رأس الخيمة. الكتاب بكلمة ثانية خريطة وجدانية في المركز منها جمعة الفيروز الذي سعى عبدالله محمد السبب إلى أن يجعل منه حاضراً بهذه الشهادات والاستعارات التي تؤشر حقاً إلى شخصية الفيروز الإنسانية والأدبية والاجتماعية. مرة ثانية، كأن الكتاب عمل فني، يتجاوز التوثيق إلى لغة الشعر، ويتجاوز الشهادات إلى الكتابة الأدبية في حد ذاتها، أي إنه نسيج إبداعي مشترك قام على العديد من الأقلام بأيدي كتاب وشعراء وصحفيين كانوا شبه يوميين في حياة الفيروز. في شهادة للمسرحي والكاتب السوري د. هيثم يحيى الخواجة، وهو تشرب بهواء وتراب وأصدقاء رأس الخيمة عن جمعة الفيروز.. يقول: شعره يستدفئ بكينونة لغة اشتقاقية تحمل دلالات بعيدة، ومرموزات دقيقة، ولهذا لا نجد في شعره حشواً ولا نجد ترهلاً. ويقول عنه الشاعر عبدالله عبدالوهاب.. ..بكل متع الحياة التي أمامنا.. بكل الجمال هذا، وبعد ماذا.. إذاً.. ضعوا وردة على قبر الشاعر، وامضوا بلا ضجة... عذوبة نصوص هذا الكتاب وصدقها وتلقائية الطريقة التي وضع بها.. تعيد، في الواقع. شيئاً من تلقائية جمعة الفيروز نفسه.. المغني الأسمر مع عوده الجذاب. الكتاب: جمعة الفيروز.. بين احتراقات الذاكرة واختراقات النسيان المؤلف: عبدالله محمد السبب الناشر: مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية (2012)
مشاركة :