على الرغم من التحذيرات الاجتماعية والنفسية، إلَّا أنَّ ظاهرة الطلاق الصامت انتشرت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فيما تحوَّلت الكثير من العلاقات الزوجية إلى مجرد واجهة اجتماعية تخبىء الكثير من النيران.والطلاق الصامت أشد خطرًا من الطلاق الفعلي؛ لأنَّ آثاره المدمِّرة على نفسية الزوج والزوجة والأبناء بمنزلة المسرحية الدرامية، التي يستمر عرضها يوميًّا دون أنْ تكون لها نهاية يُسدل بعدها الستار، لذلك نجد أنَّ كلَّ الأشخاص فيها متعبون، منهكون، يحاولون التماسك وإظهار الصمود، بينما نفسياتهم في الواقع تنهار بشكل مؤلم ومخيف.الزواج واجهة اجتماعيةأكدت المستشارة الأُسرية والاجتماعية دعاء سامي زهران أنَّ كثيرًا من العلاقات الزوجية أصبحت مجرَّد واجهة اجتماعية قد تبدو مستقرة ظاهريًّا، بمعنى أنَّ الزوجين يتحدثان معًا، يخرجان ويسافران كأُسرة، لا يوجد بينهما مشاحنات، لكنَّها خالية من الحب والتفاهم.وتابعت زهران: يظن البعض بأنَّ وجود الأم والأب تحت سقف واحد حماية ووقاية وأمان للأبناء، ولكن في حقيقة الأمر، هو مفسدة لمعنى الميثاق الغليظ، وهو المودة والرحمة، مشيرة أنَّ عدم التزام الزوجين بالحقوق والواجبات الزوجية ينشئ جيلًا غير واعٍ بمعنى الحقوق الزوجية والدينية والمجتمعية؛ ممَّا يسبِّب اضطرابًا في حياة الأبناء.وأضافت: بعد مرور فترة من الزواج، ومع الروتين والمسؤوليات، ورتابة الحياة قد ينتاب أحد الزوجين أو كلاهما مشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر، يفقد كل شيء معناه، ويبدأ كل منهما يعيش فى عالمه الخاص، ويتحوَّل الزواج لشكل اجتماعى دون مضمون.وأرجعت الفجوة بين الزوجين إلى عدم الاهتمام بالطرف الآخر، الفتور فى العلاقة الزوجية والشعور بالملل والرتابة، عدم القدرة على التفاهم والاستهزاء بالرأى الآخر، التوقف عن العطاء، وانتظار أنْ يعطى طرف واحد فقط، عدم توافر الصراحة في العلاقة، ومحاولة تفادي المشكلات التي يتعرَّض لها الزَّوجان؛ ممَّا يتسبَّب فى حاجز يزداد مع كل مشكلة تحدث، إلى جانب العنف المتبادل بين الزوجين، سواء كان بدنيًّا أو لفظيًّا أو نفسيًّا.وبيَّنت مظاهر الانفصال بين الزوجين، الصمت بين الزوجين، الشعور بالغربة، صعوبة التفاهم، التباعد التدريجى بينهما، عدم الرضا عن أفكار وتصرفات الطرف الآخر، عدم تقبل الطرف الآخر نفسيًّا، النقد الشديد، وعدم الرغبة في الحوار، رفض محاولات التقرُّب من الطرف الآخر، عدم وجود موضوعات مشتركة، عدم القدرة على تقبُّل العيوب التي تظهر مع العشرة، التوقف عن التعبير عن المشاعر.وذكرت في حديثها: لابُدَّ أنْ يعرف الزوجان بأنَّ الزَّواج أساسه السكن والمودة والرحمة، ويشمله الحب والعطاء والأحساس بالأمان، والاحتواء والاهتمام والرعاية، مع توفر الصراحة والشفافية والوضوح، ومحاولة التفاهم، واعتراف المخطئ بخطئه، والتنازل والتضحية، والمرونة والتسامح، وتقديم بعض التنازلات، ومحاولة تقبُّل الرأي الآخر.ومن وجهة نظري النفسية والاجتماعية أرى أنَّ المصطلحات الحديثة ما هي إلَّا مسكِّن للأخطاء الشائعة في المجتمع، فلابُدَّ من النظر للمشكلة من جانب أوسع، والنظر لها من منظور ديني أوَّلً،ا ثم من أصحاب العلم والمعرفة المختصين، ولا نحاول معالجة خطأ تظهر عواقبه بعد سنوات. الانفصال العاطفي واقعومن جانبه، قال الاختصاصي الاجتماعي جالي العتيبي: إنَّ أسباب الطلاق كثيرة ومتعددة، قد تكون نفسية، نتيجة إصابة أحد الزوجين بالاضطرابات النفسية، مثل: الكآبة، أو القلق، أو اكتئابات ما بعد الصدمة، وقد تكون اجتماعية مثل: الإكراه على الزواج، أو الاختلاف الفكري والبيئي بين الزوجين، بإلاضافة إلى التخبيب والتدخلات من الأطراف الخارجية، سواء بقصد أو بدون قصد، وفقدان القيمة الأُسرية وتأثيرها النفسي على الطرفين أو الأبناء، والذي قد يصل أحيانًا إلى الاضطرابات النفسية والانحرافات الفكرية والسلوكية، والنفور والعصبية الدائمة الناتجة عن فقدان الهوية والقيمة الفردية.وأضاف: إنَّ الانفصال الصامت، أو الانفصال العاطفي بين الأزواج واقع موجود على مسرح الحياة. وقد أثبتت أكثر الدراسات النفسية الاجتماعية أنَّ الطلاق العاطفى أو الصامت يؤثِّر بشكل سلبي على الأبناء بصورة أقوى من الطلاق الفعلي.ورأى أنَّ استمرار العلاقة الزوجية على الورق فقط -بدعوى مصلحة الأولاد- فكرة مغلوطة مهما كانت مبرراتها، فالأُسرة تقوم على عدة مقوِّمات من أهمِّها التفاهم والاستقرار، ويمكن التغلُّب على الطلاق الصامت بين الزوجين بعدة نصائح، منها التفاهم بين الزوجين، ومعرفة أدوارهما الاجتماعية، واحترام الخصائص بينهما، وتخطي مرحلة العزلة الزوجية، وتقديم الامتنان بين الزوجين، وتقدير الطرف الآخر، والتغاضي عن العيوب، وعدم تصيُّد الأخطاء، والحصول على المعلومة والحلول الصحيحة لبقاء الأسرة واستمراريتها.وأوضح المحامي عبدالكريم سعود القاضي أنَّ من صور الطلاق الصامت تعليق المرأة وتركها بدون نفقة، لم يطلقها ليُصرف لها مالًا من الضمان، ولم ينفق عليها؛ لكيلا تمد يدها لقريب يحزن عليها، أو لبعيد يشمت بها. وقد حرَّج عليه الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بقوله: «اللهمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حقَّ الضَّعيفَينِ: اليتيم والمرأة» .وما يُسمَّى بالطلاق الصامت حالة إجتماعية حصلت في المجتمع مؤخَّرًا، وهي أخطر على الأسرة من الطلاق، وهنا يجب التدخل بالقضاء أمَّا إمساكٌ بمعروفٍ، أو تسريحٌ بإحسانٍ، كما هو المتَّبع في القضاء.أضرار على الأطفالوذكرت جمعية «مودة» للتنمية الأسرية بمنطقة مكَّة المكرَّمة في هذا السياق، أنَّ الانفصال العاطفي يؤدِّي إلى أضرار كبيرة على الأطفال والأسرة، وتبدأ مرحلة الانفصال العاطفي بهجر أحد الزوجين الآخر، ويغيب الحوار الفعَّال في المنزل؛ ممَّا يؤدِّي إلى غياب الثقة، بل وانعدامها في كثير من الأوقات؛ لذلك نسعى في جمعية «مودة» لتقديم الدعم والمساعدة لمثل هذه الحالات، من خلال الإرشاد الأُسري والزَّواجي عبر خدمات الهاتف الإرشادي، والمقابلة الحضوريَّة، والإرشاد الإلكتروني، وهناك بعض الوقائع التي تدل على وجود الطلاق الصامت، منها: رفض التواصل، وقلة الامتنان، الذي يلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على العلاقة حيَّة ومستمرة، وفقدان الثقة بين الزوجين.ودعت إلى النظر دائمًا للإيجابيات، وعدم التركيز على السلبيات، وضبط النفس أثناء الحوار، وتجنب النقد الجارح مع التماس العذر وحُسن الظَّن.
مشاركة :