50 عاماً في واحة العين

  • 4/5/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يكتبها: يوسف أبولوز وصلت إلى أبوظبي في ١٩٦٢ وكأني عدت إلى عصر قديم، والفارق الوحيد أنه لم يكن ثمة صيد، وكل ما أتيح هو الحد الأدنى للمعيشة، فالمناخ لم يكن يجود إلا بالقليل الذي يكفل الحياة. وتنفست بعمق لعلي أدرك ما حولي،وكان الهواء الساخن والمترب قد ملأ رئتيّ مؤكداً خوفي في ذلك الحين. وازداد إحساسي بالغربة عندما لم أر أي أرض خصبة، لا سيما أنني أحمل درجة جامعية في الزراعة. ولكن إيماني بالله وحكمته جعلاني في لحظة أعتقد أن ثمة سبباً قد أتى بي إلى هنا، وأن لمشيئة الله حكمة وغرضاً أسمى. وكان عزائي أنني جئت إلى هنا بدعوة كريمة من حاكم أبوظبي نفسه. أو هكذا كان انطباعي الأول وتبدد خوفي وهمومي وأصبحت مستعداً لمواجهة التحدي والسعي لتحقيق هدفي. وكان من حسن حظي أنني تسلحت بحزمة من الخبرات. وأتيحت لي مساعدة من أقوى رجل في البلاد التي جاء بي قدري إليها لتحقيق حلمه في ضمان مستقبل رائع لبلاده وشعبه. وهكذا وصلت إلى هنا وعلى عاتقي رسالة. كتاب خمسون عاماً في واحة العين هو بمثابة سردية خضراء لقصة الحياة الزراعية في العين. كتاب ممتع، وكتاب صديق أيضاً. تصادق كتاباً لأنك تجد فيه نفسك أحياناً، وتصادق كتاباً آخر لأنك تجد فيه سيرة حياة رجل تحبه، وتصادق كتاباً أيضاً لأنك تجد فيه نوعاً من الإرادة الإنسانية العالية. المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،طيّب الله ثراه، ومدينة العين هما مركز هذا الكتاب التاريخي التوثيقي والجمالي أيضاً. لقد كان تحويل الصحراء إلى جنة خضراء من أولويات الشيخ زايد القائد المؤسس والحكيم ورجل الدولة والعلم والتنوير والثقافة الإنسانية الرفيعة. الكتاب بقلم الخبير الزراعي عبد الحفيظ خان الذي وصل إلى أبوظبي عام 1962، وهو هنا يكتب ذكريات خمسين عاماً في مدينة هي لوحة جمالية خضراء كما أرادها الشيخ زايد، وكما أراد للإمارات أن تكون في طليعة البلدان المعنية بالزراعة . أولاً: ننقل للقارئ تعريفاً عن المؤلف كما جاء في التعريف به في الكتاب لنعرف من خلال ذلك مدى حب هذا الرجل لمدينة العين، وما دوره الأصيل والصادق في ثقافة التشجير والزراعة، فكانت هذه الذكريات الحية.. يأتي في الكتاب.. خدم عبد الحفيظ خان ياور اليوسفي المعروف باسم الخبير خان ــ وهو متقاعد حالياًــ مستشاراً زراعياً لدى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، فكان أول خريج جامعي يحمل درجة علمية في الزراعة تطأ قدماه أرضأبو ظبي، وكان الأوحد أيضاً، وقد أتى إلى البلاد في السابع من سبتمبر/أيلول 1962 بدعوة من الشيخ زايد الذي كان حينئذ ممثلاً للحاكم... يتألف الكتاب الذي جاء على شكل سرد لذكريات ووقائع وانطباعات من عشرين فصلاً بلغة رشيقة هادئة قريبة من القلب تشبه محبة عبد الحفيظ خان للمكان الذي أخلص إليه، ووجد فيه بيئة مرحبة لتكوينه الثقافي الزراعي. يقول في الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان الانطباعات الأولى.. .. نحو 1761 رأى شيخ بني ياس (ذياب بن عيسى) ظبياً في جزيرة أبوظبي، وكان ذلك أول علامة على وجود ماء عذب هناك، وفعلاً عثروا على نبع بالجزيرة وهم يعبرون إليها، ولما كان الموقع غير مأهول، وقريباً من الشاطئ، وبه إمكانات للغوص على اللؤلؤ وصيد السمك، فقد وجدوه مكاناً مناسباً للاستقرار، واستمدت الجزيرة ــ والإمارة لاحقاً ــ اسمها من ذلك الظبي الأول الذي رآه الشيخ... في حديثه عن واحة البريمي نعرف أهمية التشجير وأولويته عند الشيخ زايد، إذ يقول عبد الحفيظ خان.. .. لقد كان واضحاً منذ البداية أن الشيخ زايد كان يريد غرس الأشجار أولاً قبل البدء ببناء مدينة حديثة، كما يأخذنا (الكتاب ــ الذكريات) إلى معلومات حول الأفلاج.. يقول: يعود نظام الأفلاج في منطقة العين إلى نحو ألف عام قبل الميلاد، وهذا يجعله أقدم الأفلاج حسبما ذكر الدكتور وليد ياسين التكريتي، المستشار في دائرة الآثار والسياحة في العين، الذي قام بالبحوث التي أدت إلى ذلك الاكتشاف... الكتاب قصة حياة، وقصة مدينة وقصة رجال أسسوا فردوساً أخضر مما أسماه عبد الحفيظ خان في أحد فصول الكتاب ترويض الصحراء، ويضم الكتاب العديد من الصور الفوتوغرافية التاريخية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد تظهر مدى اهتمامه اليومي بالزراعة. يعتمد الكتاب على 42 مرجعاً، مما يعطيه أهمية علمية إلى جانب أهميته الوصفية والتاريخية والمعرفية، ويقرأ بمستوى ثقافي وجمالي أيضاً، ويستفيد منه الباحث في تاريخ التحولات العمرانية والثقافية والاجتماعية في الإمارات، وما طرأ على الصحراء التي تحولت إلى أفق أخضر حميم. الكتاب: خمسون عاماً في واحة العين المؤلف: عبدالحفيظ خان الناشر: وزارة شؤون الرئاسة ــ الأرشيف الوطني (٢٠١٥)

مشاركة :