غدا يحيى لبنان، ذكرى اغتيال رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري بحضور نجله سعد الذي غاب عن السياسة اللبنانية منذ سنتين . إن اغتيال رفيق الحريري كانت بداية تراجع موقع لبنان الذي وضعه الحريري على خريطة العالم بفضل علاقاته الواسعة في الشرق والغرب . من اغتال الحريري كان يهدف الى خراب ليس فقط لبنان بل أيضا سورية من حيث أتى أمر الاغتيال. رفيق الحريري العملاق اللبناني كان يزعج بعلاقاته الدولية وحبه بوطنه ورغبته في جعل لبنان بلد مستقل ومنتعش ليكون موقع أفضل ضيافة للخارج في الشرق و الغرب . المحكمة الدولية لرفيق الحريري حكمت على عنصرين من حزب الله ما زالا فارِّين ولن يسلموا يوما للعدالة الدولية، فلا أحد في لبنان يمكنه إيجادهم لأنه يعرف مسبقا أنه سيقتل إذا وجدهم و تجرأ على توقيفهم . لم تصل العدالة الدولية إلى الحكم على النظام السوري الذي امر بهذه الجريمة لأسباب سياسية . كانت آنذاك بعض الدول الغربية تريد حماية النظام السوري الذي لاحقا أكمل مسيرته في حربه على شعبه . أزعج الحريري الذين أخذوا بعد اغتياله بزمام الأمور في البلد واصبحوا النافذين الاساسيين في الشاردة والواردة . منذ اغتيال الحريري في ١٤ شباط ٢٠٠٥ استمر الوضع في لبنان تراجعا. في ٢٠٠٦ كانت الحرب الاسرئيلية على لبنان، وفي ٢٠٠٧ حصل الهجوم الشنيع لحزب الله بسلاحه في الداخل اللبناني على القيادات التي كانت تقاوم نفوذه، وفي ٢٠١١ بدأ النظام السوري بقمع وقتل شعبه في حرب كارثية ساعده فيها حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني . أدت حرب بشار الأسد على شعبه إلى نزوح ملايين منه إلى لبنان والأردن وتركيا . استمرت الأوضاع بالتدهور في لبنان منذ هذا الاغتيال المشوؤم مع وصول ميشيل عون الى الرئاسة وصهره جبران باسيل مع أزمة البنوك وتجريد المودعين من أموالهم من دولة فاسدة ومفلسة. وحده حزب الله لم يخسر ودائع لأن ماله هو بالكميات النقدية التي تخزن في الضاحية الجنوبية من بيروت، ثم ضربت كارثة أخرى في ٢٠٢٠ بانفجار مرفأ بيروت الذي أدى إلى قتل أكثر من ٢٠٠ ضحية وتدمير منازل ومحلات في بيروت والقضاء اللبناني ممنوع عن الاستمرار بالتحقيق خصوصا أن العالم بأسره يعرف اأن حزب الله يسيطر على كل مرافئ البلد . لم يعرف بعد ما إذا كانت عملية إسرائيلية استهدفت النيترات المخزن في المرفأ والذي كان يستعمل للتصدير إلى سورية لصناعة المتفجرات أم هو كان فعلا نتيجة اهمال وخطأ أدى الى ذلك كما اسرع البعض في القول بعد الكارثة. فاليوم ويحيي سعد الحريري ذكرى أبيه أصبح البلد في حالة مزرية تحت نفوذ حزب الله الذي يملك قرار الحرب والسلم ما يجعل الشعب اللبناني يعيش على أعصابه طالما يريد الحزب دعم حماس من لبنان وهو يعلم تماما أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وشلته المجرمة عازمين على خراب لبنان فلا حاجة لاعطائهم حجة لذلك . سبق لنتانياهو وأن هدد بتدمير لبنان وإعادته الى العصر الحجري.. استشهد الحريري ودفع بدمه استقلال لبنان من الجيش السوري الذي كان يحتل البلد . أهم ما قام به الحريري من أجل استقلال وسيادة بلده كان وضع أسس مع صديقه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك لقرار مجلس الامن ١٥٥٩ لتحرير لبنان من القوات السورية. إن هذا القرار أدى إلى اغتياله إذ إنه دعا إلى خروج القوات السورية منه إضافة إلى تسليم الميليشيات سلاحها إلى الجيش اللبناني . فكانت مهمة مزدوجة من النظام السوري وحزب الله للتخلص من شخصية تتمتع بعلاقات دولية واسعة وتحظى باحترام كبير . إن كل المصلين على ضريح الرئيس رفيق الحريري يعرفون كيف كان لبنان معه وكيف تحول بعد اغتياله . الآن كثر الكلام والتكهنات عن عودة نجله الذي كان علق عمله السياسي منذ سنتين وقيل إن ذلك بسبب عدم رضا السعودية على ممارسته السياسة في هذه الظروف . رغم أن كثيرين يتمنون عودته للعمل السياسي في البلد لكن الأوضاع الإقليمية الحالية تظهر أنه إذا عاد قد يواجه قيود كبرى لأن ظروف الطائفة السنية التي ما زال يتزعمها في لبنان تغيرت إقليميا إذ إن أوضاع السنة في لبنان وسورية والعراق ضربت نتيجة الهيمنة الإيرانية في هذا الإقليم علما ان رفيق الحريري كان منفتحا جدا على جميع الطوائف في لبنان وكان يطمح الى التوافق بين الجميع ما لم يعد الحال الآن ونجله سعد على النهج المعتدل نفسه لكن الأيام والظروف الإقليمية تغيرت وهناك حرب إسرائيلية تهدد كل المنطقة وتحتاج الى حل سلمي عادل للقضية الفلسطينية وهذا غير ممكن في ظل الحكام الإسرائيليين الحاليين . فعودة سعد الحريري إلى العمل السياسي في لبنان في ظل حرب إسرائيلية وحشية تستهدف الشعب الفلسطيني قد تكون محبذة ومطلوبة من عدد كبير من مؤيديه ولكن في مثل هذه الظروف المحلية و الإقليمية ستكون مهمته بالغة الصعوبة ولو انها مطلوبة كونه مازال يحظى بشعبية كبرى . فاغتيال رفبق الحريري كان بمثابة اغتيال لبنان .
مشاركة :